محاكمة! (الجزء الثاني)

بواسطة | 16 فبراير 2019 | قصص قصيرة | 7 تعليقات

الجزء الأول
في درج المكتب، الذي أجريت فوقه حواري مع القصة القصيرة، كانت ترقد مسودة “للمترهلة “كما تسميها القصة، بدأت كتابتها قبل سنوات خلت، و قد تلصصت على حوارنا من الفه إلى يائه …نادتني من عمق الدرج :أيها الكاتب المراوغ. ..اخرجني لاكلمك أو الكمك. ..
كان البرد القارس قد أخذ مني مأخذه، و لم تكن لي رغبة في المزيد من النكد خلال هذا الليل البارد. كنت أرغب فقط في العودة إلى فراشي لأنعم ببعض الدفء، وأنا أتذكر  الم من لا دفء لهم! 
و فكرت: ماذا لو عادت تلك القصيرة وضبطتني متلبسا بالحوار مع عدوتها اللدودة؟ أكيد ستحدث معركة عنيفة تشبه معارك نساء بالحمام العمومي. ..ويسيل مداد كثير أقصد دماء كثيرة. ..!!
و رغم تخوفي فتحت الدرج و أخرجت كراسة كتب على غلافها بلون أسود فاحم :”ولد الحرية “،واسفل العنوان: مشروع رواية عن خالي. .. وقفت تلك الشبيهة بالرواية وصرخت في وجهي: أصبحت تسايرها في كلامها وتنعتني بالبدينة. ..وتسميها بالرشيقة! تلك المريضة بالانيميا. ..البخيلة في سردها ووصفها وحوارها. ..هل تعلم ان عشقك المنافق لها هو مجرد عجز عن كتابتي أنا؟ !أنت تكتبها لانها “اتان الأدب ” و الجدار القصير. ..ظللت صامتا وهي ترغي و تزبد. ..ثم قاطعتها :سيدتي. ..هل تغيرين منها؟ أليست اختك الشقيقة؟ الستما ابنتا الحكي بكل خلاياه الوراثية؟ و ما العيب في أن يعشق كاتب ما كل أنواع التعبير والكتابة؟ !
عقدت ما بين سطورها السردية المدثرة بالوصف والحوار، و زمجرت :التعبير مقامات، وعلى الكاتب احترامها. ..أنا سيدة الزمن الحديث. ..ألم يسم النقاد الزمن باسمي :زمن الرواية؟ ! ألم احطم كل الأرقام في النشر والفوز بالجوائز ؟ ألم ارتبط بأعظم أسماء المبدعين في العالم؟ دوستيوفسكي، كافكا، ماركيز،  منيف، محفوظ، كنفاني. …روائيون كبار. …ألا تخجل من مقارنتك لي بتلك النحيلة العجفاء! ؟ أنا أقدم للقارئ المتعة والمعرفة عبر الصفحات و ساعات من القراءة. ..أما هي فمجرد “ساندوتش “مغشوش لا يسد رمق الجائع! بل إنها تشبه البضائع غير القابلة للاحتفاظ بها. ..تستعمل مرة واحدة وترمى مع القمامة! !
عفوك، قلت، هذا تجني على لون تعبيري له مكانته وجماليته. ..وعليك أن تعترفي بالمنافسة بينكما بروح رياضية. ..وما عليك فهمه هو أن الكاتب الملتزم يقاتل من أجل حريته، و عليك أن تتعايشي مع رغباته واختياراته المتنوعة. ..أما مسألة العجز والسهولة فهي أمور نسبية! فالكتابة فعل شاق، ولا يقاس بالطول أو القصر ولكن بالشحنة النفسية والإحساس الصادق والرؤية الوجودية العميقة التي يبتها الكاتب في موضوعه…
قالت: هراء، أيها الكاتب الكسول، عليك ان تفتح عينيك وتنظر إلى الحقيقة :ماذا جنيت من “وسطاك “غير الفتات؟ كم بعت من نسخة؟ 
– يا لحقدك الكريه، قلت،هل تعلمين أن الأمور لا تقاس بهذا الشكل؟ الكتابة مسؤولية ومهمة نبيلة، لقد قمت بدوري الذي هو الكتابة المنحازة. …اما النشر والربح فهو أمر مرتبط بأزمة المجتمع. …وأزمة القراءة و أزمة  تدهور القيم … أليست هذه هي مضامينك؟ ! فلماذا تتنكرين لها! ؟
ومع هذا فالصلح خير، لماذا لا نعقد صلحا بينكما؟ 
أنتما بمثابة عيني الكاتب. …فهل يعقل أن يتخلى عن واحدة ليحتفظ بواحدة! ؟ ما يمكن ان يقوله الكاتب في القصة قد لا يناسب ما يريد قوله في  الرواية…والأمر نفسه في جميع انواع التعبير. ..
قالت: مع ذلك فأنت منحاز لأنك لم تنجح في كتابتي. ..وعليه سامنحك مهلة. …تخلص من كسلك واكملني ويومها ستغير رأيك في الموضوع. ..ولن تحتاج لعين ثانية غيري. ..
وانغلق الكراس في وجهي وسمعت صوتا يقول: اعدني إلى الدرج فعزلتي ارحم من هذا النكد. …
نفدت أمرها، و اعدت الكراس إلى الدرج، وانسللت نحو فراشي لاعانق بعض الدفء. (قد يتبع )…. (7/2/2019).
الشماعية /عبدالجليل لعميري.

الجزء الثالث

الأستاذ عبد الجليل لعميري – المغرب

7 التعليقات

  1. إبراهيم يوسف

    مترهلة أم رشيقة..؟ العبرة وحدها
    بالإبداع وهوى القارىء.. وسمة العصر

    ولئن كانت:”يا من يحن إليك فؤادي”
    رائعة في رشاقتها..؟
    فإن: “أهل الهوى.. ياليل”
    ساحرة “على وتر رنان للصبحية”

    المسألة نسبية في اعتقادي

    الرد
  2. مهند النابلسي

    روعة سردية وشمولية وصفية شيقة وفي الخلاصة لا تكتب الرواية واستبسل بكتابة القصة القصيرة فأنت استاذ في هذا المجال السردي الفذ وكفى!

    الرد
  3. عبدالجليل لعميري

    هذا النسبي هو الذي نحتاج للوقوف على :حدوده وإمكاناته. ….ملاحظاتك أساتذي تغني المعرفة. ..محبتي.

    الرد
  4. عبدالجليل لعميري

    انحيازك أستاذ مهند يحرضني على الإبداع الذي لا حياد معه. ..مودتي…

    الرد
  5. إيناس ثابت

    لكل جنس أدبي ملامحه.. وجماله المتفرد به
    وأدواته الخاصة به ومريديه

    على الرغم من انتشار كتب الرواية
    الغث منها والسمين..المقبول والسطحي
    على رفوف مكتبات اليوم

    لعل هذا بسبب
    توجه النقاد إليها وإقبال دور النشر عليها وتفضيلهم لها
    وتعامل البعض معها كسلعة؟

    الرد
  6. إيناس ثابت

    لا ينبغي للرواية أن تغار
    وأنت تخرج مادار بينكما من حوار
    إلى النور وأمام الشهود
    على صورة شقيقتها الصغيرة”القصة القصيرة”
    إلا إذا اعتبرت فعلك هذا
    ميلا وتفضيلا للشقيقتها الصغيرة
    و دليلا جديدا ضدك

    الرد
  7. عبدالجليل لعميري

    الأستاذة إيناس شكرا على تفاعلك. ….الحقيقة أن خصام القصة والرواية يحتاج لوساطة إبداعية رفيعة انت مناسبة لها جدا. …ولهذا انتظر تدخلك لمساعدتي على تقريب المسافة بينهما. ..ولا اخفيك سرا فهناك شكايات وصراعات أخرى في الطريق :احتجاج القصيدة علي وعليهما. …شكرا على التواصل. …وشكرا للسنابل. …

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبلغني عبر البريد عند كتابة تعليقات جديدة.