فيلم “نظرية كل شيء” لا يبحث في كل شيء!
سيرة ذاتية وحب رومانسي واكتشافات علمية مذهلة:
ملخص: انه فيلم درامي- رومانسي منقول عن كتاب السيرة الذاتية، يتعرض للكثير من التفاصيل الحياتية اليومية للفيزيائي النظري الشهير “ستيفن هوكنغ”، اخرج الشريط من قبل “جيمس مارش”، وتم تكييفه للشاشة من قبل ” انتوني ماكارتن”، بالاستعانة بمذكرات زوجته “جين هوكنغ” “حياتي مع ستيفن”، حيث تتناول بالتفاصيل علاقتها مع زوجها السابق، وذكريات تشخيص مرضه ” التصلب اللويحي الجانبي” (العصبونات الحركية)، كذلك يتعرض الشريط لنجاحات هوكنغ المتتابعة في الفيزياء.
*فريق التمثيل والجوائز: يقدم الفيلم “ايدي ريديماين وفيليستي جونز”، مع كل من تشارلي كوكس، ايميلي واتسون، وسيمون ماك بورني…الخ في الأدوار الداعمة. نال هذا الفيلم مراجعات نقدية ايجابية عديدة (78-84%)، مع الثناء بشكل خاص على عناصر: الموسيقى التصويرية، التصوير السينمائي، واداء كل من “ايدي ريدماين وفيليستي جونز”، كما حصل على عدة ترشيحات، وفاز بجائزة أفضل فيلم بريطاني وافضل ممثل، وأفضل سيناريو مقتبس…
*حبكة الفيلم: كامبردج وبداية مرضه والثقب الأسود:
هناك في اروقة جامعة كامبريدج، بدأ ستيفن هوكنغ، طالب الفيزياء الفلكية علاقة رومانسية مع طالبة الاداب “جين وايلد”، وبالرغم من تفوقه، الا أنه عجز عن اختيار موضوع لاطروحته، وبعد حضوره مع استاذه “دينيس سيكياما” محاضرة في الثقوب السوداء” توقع هوكنج بان الثقوب السوداء يمكن ان تكون جزءا من خلق الكون، وقرر اختيار هذا الموضوع لاطروحته. وأثناء متابعته لأبحاثه، بدات عضلاته بالفشل، مما ادى لسقوطه مرارا وضرب رأسه، ثم يتم تشخيص مرضه بانه “عصبي حركي نادر”، لن يمكنه تدريجيا من ابتلاع الريق والطعام، او حتى التنفس وتحريك معظم اجزاء جسده، ويتوقع الأطباء بان لديه فقط عامين للعيش، ولكن دماغه سيبقى يعمل بلا عوائق، وأصبح هوكنغ منعزلا، مركزا على عمله وابحاثه، ثم اعترفت جين بحبه، وبأنها تنوي البقاء معه حتى مع تفاقم حالته، ثم يتزوجان وينجبان طفلا. يقدم ستيفن اطروحته الجديدة لمجلس الامتحان، مصرا على كون الثقب الأسود مسؤولا عن خلق الكون أثناء الانفجار العظيم، مما اطلق حرارة هائلة، سمحت لتمدد كوني مذهل كبير، واثناء الاحتفال بالاطروحة، يدرك ستيفن فجاة انه لم يعد قادرا على المشي، فيبدأ باستخدام كرسي متحرك.
*احباط جين وصداقة “جوناثان” والعجز عن الكلام ولوحة “التدقيق الاملائي” والطلاق وزيارة امريكا:
بعد انجاب طفل ثان (طفلة)، طور ستيفن نظرية جديدة حول امكانية رؤية الثقوب السوداء، وأصبح عالما فيزيائيا مرموقا، لكن جين زوجته فشلت بدورها بالعمل على اطروحتها “الأدبية” لانشغالها برعاية ستيفن والبيت والأطفال ثم أصبحت محبطة ويائسة. وتفهم ستيفن وضعها بذكاء فأعطاها المجال لتفعل ما تشاء، فانضمت الى جوقة الكنيسة، حيث تلتقي بأرمل يدعى “جوناثان”، ويصبحا صديقين، فتوظفه كمدرس بيانو لابنها الصغير، ثم يصبح صديقا حميما للعائلة، كما يساعد ستيفن في مرضه، داعما جين، ويلعب مع الأطفال بسعادة…ثم يقرر ان يبقى بعيدا عن العائلة بعد ان أثار وجوده الشبهات والأقاويل، لكنه يعود أمام الحاح ستيفن لحاجة الاسرة له، وتتطور الامور فيعاني ستيفن من التهاب رئوي حاد، يؤدي لاحقا لفقدان قدرته على الكلام ايضا… فيتعلم استخدام لوحة “التدقيق الاملائي”، ويتقن استخدامها للتواصل مع “ألين” ممرضته الجديدة، ويتلقى حاسوبا مزودا بنظام “مزج صوتي مدمج”، يسمح له بانجاز كتابه الفريد “تاريخ موجز للزمن”، الذي اصبح الأكثر مبيعا عالميا. ويخبر جاين بأنه ذاهب لمريكا للحصول على جائزة وأنه سيأخذ معه ممرضته “ايلين”، فتحدث مواجهة صريحة بينهما تنتهي بالطلاق وديا، ويكتشف حبه لايلين، كما تتزوج جين من جوناثان، وهناك في امريكا أثناء المحاضرة يكتشف هوكنغ عجزه الهائل لاسترجاع قلم سقط على الأرض، ويستدعي ذلك التأثر بالبكاء…ولكنه يتغلب على معاناته، فيلقي خطابا هاما، مركزا على آفاق التجارب البشرية، وعلى الاختلاف، وعلى وجود الأمل والرغبة بالنجاح والاصرار على الانجاز.
*نمط فريد من الاخراج السينمائي وتجاهل ومبالغات:
يعتمد على التصوير الغني البراق المصقول، وعلى موسيقى “جوهانسون” الرائعة، نجح الفيلم بتبسيط نظرية هوكنج باسلوب ملهم، وأحدث توازنا شيقا بين السيرة الذاتية وقصة الحب الرومانسية، واستطاع انجاز فيلم بجودة عالية تضاهي جودة هوكنغ في اكتشافاته الكونية الفذة، ولكن بالحق فقد بالغ بالتركيز على الحياة الرومانسية لهوكينغ وسيرته الذاتية على حساب اكتشافاته العلمية، بل وتجاهل الكثير من انجازته في مجال “الفضاء والزمكان”، كما روج للمشاعر الدينية الخاصة بوجود “الخالق” وأعطاها بعدا محوريا على حسااب منجزات هوكنغ العلمية الرصينة، وبالغ بطريقة ترتيبه للأحداث الدرامية العائلية بشكل ملفق ومصطنع وربما “ميلودرامي” أحيانا، وقد تسبب طموح المخرج لاحراز العديد من الجوائز العالمية في وقوع هذه الهفوات، علما بأنه لا يمكن تجاهل براعة “التصميم الانتاجي” المتكامل واللافت، وهذا البعد الحيوي تحديدا يتم تجاهله في العديد من افلام السيرة الذاتية دون الشعور بالذنب، وبالحق فمعظم الأفلام العربية تعاني من ضعف واضح في هذا المجال!
*ملخص نقدي ايجابي وسلبي ومتوازن:
هناك الكثير من البساطة والقليل من الدراما، التي تعكس نظرة هوكنغ الحقيقة لقصة حياته وانجازاته العلمية والعملية، ولا شك ان المخرج “مارش” وثائقي موهوب، لكنه تورط بالحق في اسلوب درامي “ضحل” أحيانا، ولم ينجح تماما باستعراض عمق شخصياته المثيرة للجدل، كما أنه عجز عن تحقيق صدمات اخراجية لافتة ربما بقصد، وبقي ضمن حدود “العادي/الروتيني”، وان كان نجح باستعراض الكثير من الحركات والايماءآت والمراحل المفصلية في حياة هوكنغ المثيرة للجدل، ولكنه لم يحدث اختراقا، ولعل أفضل ما حققه هذا الفيلم هو اداء “ريدمان” المذهل، واخراج جيمس مارش “الأنيق”.
*ميلو دراما واستحواذ وسيريالية:
كما تحولت البطولة في الشريط لميلودراما أحيانا، وتصادمت مع البعد الكوني الشامل لأعمال هوكنغ العلمية الرفيعة، وهذا ما اضعف الفيلم، ولكنه بالمقابل نجح في القدرة على ايصال صوت هوكنغ المتمثل بذبذبات صوتية رفيعة، لشخصية عبقرية مريضة، وتمكن “ايدي ريدماين” من الاستحواذ على الشخصية بأداء فريد ملهم ومثير للاعجاب، وصل لتخوم السريالية، وتفوق ربما على اداء الممثل البارع “دانييل داي لويس” في فيلمه الشهير “قدمي اليسرى” (تحفة سينمائية من اخراج جيم شاريدان”1989″ تبحث بعبقرية فنان مصاب بشلل دماغي منذ الولادة، تعلم ان يكتب ويرسم لوحات آخاذة بقدمه اليسرى السليمة)!
*البعد الانساني لشخصية هوكنغ:
نجح الفيلم باظهار ابعاد شخصية هوكنغ “الخيرة وحتى السيئة”، ووصل لافق انساني جديد وواقعي، ولم يتجاهل العيوب والنواقص، ولكن اختفاء “ريدماين” في وقت مبكر كان محبطا وربما غير ضروري، كما نجح الفيلم في التركيز على البعدين “العاطفي والمهني”، وتمكن من انجاز “بداية ونهاية” جذابة، توازي قصة حياة رجل عظيم، واستعرض للمشاهدين البسطاء الخيار التقليدي: في الحياة اما أن تحصل على الفتيات الجميلات او أن تكون عبقريا، فلا يمكن الحصول على الشيئين معا، كما انه امتعنا ببساطة السرد والأصدقاء الداعمين والزوجة المتفانية وجلسات الشاي البريطانية المعهودة، وحتى بالطلاق الودي والارتباطات الجديدة!
انه لأمر ممتع حقا ان تشاهد هذا الفيلم مع براعة البطلين الرئيسيين و”شارلي كوكس” (بدور الصديق الطيب جوناثان جونز)، كما لا يمكن تجاهل الأزياء، وكما نوهنا للموسيقى التصويرية والتصوير السينمائي الخلاب، في المحصلة فهذا فيلم استثنائي لا يتكرر ربما الا كل عقد من الزمان.
* “نظرية كل شيء” لا يخبرنا كثيرا عن شخصية ستيفن هوكنغ:
فنحن نعلم أنه شخص نرجسي وربما متوحد “نوعا ما” ومنطوي ولطيف، وهذا ربما طبيعي من شخص “مرتفع الذكاء” محاصر ومحبوس داخل جسده ومرضه اللعين، فيما عقله يتنقل بين النجوم والثقوب السوداء… ونعلم أن زوجته الاولى المتفانية كانت بمثابة السائق والخادمة والمترجمة والرفيقة والمربية الصبورة، وكانت تكره الفيزياء تماما كزوجة أينشتاين الاولى “ميليفا، التي اعتبرته سببا للطلاق، فهوكنغ كان عبقريا فيزيائيا موهوبا، ولكنه كزوج فقد كان عاديا وانانيا، فيما ركزت الزوجة على اعطاء الأهمية بالتوازي لكامل العائلة، ولم تعامله كملك، وخاصة بعد التبجيل الكبير الذي لاقاه عندما اصدر كتابه الشهير “تاريخ موجز للزمن”(1988)، كما واجهت عدم التعاون من قبل والديه، وكان هناك نقص كبير في التواصل العائلي، وخاصة مع اصرار هوكنغ على عدم مناقشة تفاصيل مرضه ومعاناته، حيث تحولت العلاقة بينهما الى ما يشبه العلاقة بين “السيد والعبد”،وأصبح المرض حاجزا بينهما، ناهيك عن كونه ملحدا فيما كانت هي مسيحية ملتزمة، وتمثل انتقامها بعلاقتها مع “جوناثان جونز” الذي زحف لحياة العائلة تدريجيا، ثم تزوج جين بموافقة هوكنغ الذي ارتبط هو ايضا بممرضته الجديدة “ايلين ميسون”، باختصار فقد كان هوكنغ عبقريا ولكنه زوجا سيئا انانيا…كما أن هذا الشريط يبدو “غير متكامل” بالمقارنة مع فيلم “لعبة المحاكاة(2015)، الذي تعمق بشتى مناحي شخصية عالم الرياضيات البريطاني الشهير “آلان تورنغ” المثيرة للجدل، والذي ابدع بتقمص الشخصية “بينديكيت كوبرباتش”، ومن اخراج النرويجي “مورتن تيلدوم”، والذي استند لمقولة: “الناس اللذين لا يتوقع شيء منهم، هم في الحقيقة هؤلاء اللذين يقدمون أشياء لا يتوقعها أحدا منهم”!
*اقتباس “حواري” لافت من الفيلم:
ستيفن هوكنغ: انظروا الى ما صنعناه!
جين وايلد: اريد ان نكون معا طوال الوقت…طالما بوسعنا ذلك…اذا لم يكن ذلك طويلا جدا. حسنا…فهذا هو الحال.
جين وايلد: لقد احببتك!
ستيفن هوكنغ: يجب ان لا يكون هناك حدودا للمسعى الانساني. ومهما بدت الحياة سيئة. واذا ما كانت هناك حياة، فهناك امل!
مهند النابلسي / كاتب وباحث سينمائي / mman2005@yahoo.com
هوامش:
6. يوليو 2018 – 17:37
عزيزي مهنّد
تحية طيبة وبعد
النقد السينمائي من أصعب أنواع الكتابة. نجحت بمهارة حيث فشل الآخرون. نحن نقدّرك عاليا. لا تتوقف وحاول أن تكتب ايضا نصوصا أدبية لتزد متعتنا. شكرا لك.
(رئيس تحرير موقع سنابل اللبناني الألكتروني)
29. يونيو 2018 – 0:01
مهنّد كاتب يغوص في تحليل ما تراه عيناه كمن يسعى لفكّ لغز ما على طريقة شرلوك هولمز لكن بإحساس فائق الجودة. منذ بدايتك على موقع السنابل ونحن في رحلة استجمام. نتمّنى منك المزيد. شكرا سيّد مهنّد…
28. يونيو 2018 – 8:40
يا صلاة الزين
يا صلاة الزين
على الحلوين.. يا مهند
الإضاءة ليست رائعة فحسب، بل مذهلة
ألف شكر وتحية وسلام على عبقريتك في هذا المجال
وقدرتك الملحوظة في مختلف المجالات
في قناعتي حرام.. بل من الإنصاف ومن الوفاء لك
أن من يستمتع بقراءة النص..؟
لا يجوز له أن يقصِّر في إلقاء تحية عاطرة بين يديك
بكل التفاصيل .. أنت المذهل يا مهند
(كاتب لبناني يكتب في موقع السنابل الألكتروني بانتظام)*
سلامي الحار للموقع المبجل الفريد وجميع المتفاعلين والحق اني أستغرب عدم حصول هوكنغ على جائزة نوبل في الفيزياء وقد صحت اخيرا معظم توقعاته حول الثقوب السوداء وخاصة بعد تأكد تواجدها!
“ستيفن هوكنغ: يجب ان لا يكون هناك حدودا للمسعى الانساني. ومهما بدت الحياة سيئة. واذا ما كانت هناك حياة، فهناك امل!”
حضورك النديّ
أستاذ مهند..
ودراساتك الراقية الثرية الموضوعية:
في انتقاءها ومضمونها وطرحها ومُعالجتها..
تثبت لنا أن الثقافة العربية ما زالت بألف بخير..
رُغم شحّ الأقلام التي تخوض هذه التجارب الإنسانية
العالمية التي تستحق كل هذه العناء.
والدراسات الوافية.
أنت تمطرنا بكل هذا العطاء، والمعلومات القيّمة.
دمت بألف خير وعطاء.
هذه الحياة المليئة بالصخب
جديرة بالعناية السينمائية
وتستحق اهتمام الرائع مهند
الصديقان المبدعان شهربان وابراهيم خالص الشكر والتبجيل لكما وانتما بالحق تشجعاني على السير قدما في هذا الطريق الصعب الخالي من الجمهور والحضور والمتابعة وبكما أستمر قدما ولقد وصل بي الأمر لتجميع أكثر من عشر مسودات كتبتها لأفلام حديثة لافتة دون ان اعثر اخيرا على الحافز اللازم لتبييضها واخراجها للنور ونشرها …كما زاد من احباطي تباطؤ وتقاعس وربما مماطلة دار نشر مصرية عن اصدار كتابي الأول في فكر وسينما الخيال العلمي بعد ان قبضوا مني سلفا ألف وخمسمائة دولار من حر مالي وانا المتقاعد البائس المحدود الدخل…ولكني ما زلت محتفظا ببريق الأمل ولن اقول اللعنة او تبا لهم وحسبي الله ونعم الوكيل ثم سأصبر فالله عز جلاله مع الصابرين من عباده المؤمنين…وكل عام وانتم بخير بمناسبة قدوم شهر رمضان الفضيل.