يبني عادل المشاغب عالمه القصصي -في تجربته الجديدة هذه- على ركيزتين اساسيتين: اولاهما الالم كتجربة انسانية غنية بالابعاد الوجودية المعبرة عن قلق الانسان وبحثه عن الانعتاق من اسر كل اصناف العبودية ومسبباتها.وثانيهما الفرح في بعده الطفولي الانساني كعلامة انعتاق من نيوب العبودية ،فرح يولد في رحم الالم …ولعل هذه الخلطة الكيميائية التي يبتكرها المبدع عادل تحتاج لخبرة كيميائي ماهر وبارع في تحويل المعادن الرخيصة الى معدن نفيسة…انه عادل الصعلوك الذي يشتغل على واقع هش ومبتذل ومنحط…لكنه يشكل منه صورا للنضال الذي يمتزج فيه الالم بالفرح…
وقصص هذه المجموعة تكاد تكون حكيا ذاتيا يتقاطع فيه صوت الكاتب بصوت السارد حيث يجعل عادل من حياته الشخصية موضوعا سرديا لا ليقول ذاته فقط بل ليرصد عبر عين نسر كاسر طرائد الواقع وينبش في قضايا الواقع والذات…وبقدر ما نصادف شخصيات واقعية حتى التمالة نصادفة بنفس الدرجة شخصيات رومنسية عاطفية وعاشقة للطبيعة وعناصرها…هذا المزج بين الواقعي القاسي والعاطفي الهش يجعل القاريء ينتقل بين العالمين بمتعة كبيرة…
1/الالم والفرح وبناء الدلالة :اسباب الالم متعددة سواء كان الما معنويا نفسيا او ماديا جسديا، فالفقر والتهميش والامية والاهانة والطغيان افعال لها منفدين ولها اثار و جراح متجددة على صفحات الروح …جراح لا يتباكى عليها عادل بقدرما يتغنى بها كاوسمة على صدر الشخصيات المجروحة (وهل هناك غيرها؟).واما العنف والتسلط السياسي فان مرتكبيه ،سواء كانوا سلطة رسمية بجميع اطيافها،او تيار متطرف (الملتحون)،يتركون جراحا حقيقية تنز دما والما كما هو حال السارد ورفاقه في معاركهم المتعددة ضد قوات القمع والمتطرفين (جراح غائرة وكسور وعلاج …) ويكون الالم هنا اقرب الى مفهوم الفداء الذي تتحدث عنه الرموز والاساطير،فلا بد من ضريبة لتحقيق اهداف النضال ليصبح الجسد قربانا منتهكا في سبيل ولادة جديدة للبطل/الشخصية.وهذا يعني ان الالم وان كان يبرز ضعف الشخصية الانساني وهشاشتها الفردية فانه لا يولد الياس او الاستسلام والهروب من المواجهة …بل على العكس يفتح افقا ايجابيا هو الانعتاق بواسطة الفرح …حيث نكتشف جوانب من شخصيات المجموعة تخلق وتختلق الفرح في ذروة الالم لتداوي به جراحها…فالسارد حين يغامر في غزو الاماكن الوعرة (جبل تزناخت مثلا..)يصور ضروب الالم التي يعانيها خلال التسلق والهبوط(الجوع والعطش ومخاطر الانزلاق وتمزق الحذاء)وداخل هذه المعاناة ،وبشكل غير متوقع،يرسم السارد صورا جمالية غاية في الرمنسية حين يركز على لقطات من الطبيعة او حركة طائر ولون السماء او الشمس في علاقتها بالغروب…بل حتى الاماكن التي تبدو واقعيا غارقة في البؤس تلتقطها لغة النص وتجملها لا لتخفي عيوبها بل لتضفي عليها انسانيتها التي حاولت قوى الظلم ان تمحوها وتجثته(مشهد الحي القصديري والحنين الى تساقط الامطار عليه و الى حشراته وحيواناته).
2/عصا الصعلوك وعصا موسى :
تحضر العصا في عدة نصوص حضورا مختلفا من دلالتها.
فان كانت عصا موسى ترتبط بالاعجاز وله فيها مارب اخرى ، في سياق ديني خاص،فانها تعني من بين ما تعنيه :اداة لمواجهة طغيان فرعون وسحرته كسلطة طاغية تسبب الام الناس وتفتح جراحهم.وهنا تنتهي حكاية موسى لتبدا حكاية الصعلوك وعصاه الساحرة لا السحرية…عصا يتكا عليها لخلق التوازن في منعرجات الاماكن والحياة معا…عصا يعلق عليها لافتات الاحتجاج ويدافع بها عن نفسه …عصا تسقط من بين يديه فيرثيها لانها تسلب من طرف الكلاب والخنازير…وتعتبر كاداة اجرام…لان رفيقا له شج بها راس خنزير اعتدى على الصعلوك…عصا رفيقة درب طويل وشاهدة على الام عادل و افراحه…وانا انتظر ان يفرد لها الصعلوك المشاغب قصة خاصة كما افردها لغرفته 451التي صورها وكانها متحف لاحلامه ومعاناته…اذ اصبح للمكان ذاكرته الخاصة التي هي ذاكرة الانسان المتعدد….هذه الغرفة التي تجسد البيت عند لوتمان بكل ابعاده الامنة في مقابل الغابة العنيفة والخطيرة(فضاء الجامعة الذي تحتله لحي الماعز او جحافل البوليس ).
ان رمزية الاشياء والاماكن تغني دلالات النصوص ،وتساعدنا على اكتشاف تجربة المعاناة والصمود عند الصعلوك وكانه طائر فينيق يحترق ثم ينبعث من رماده متجددا محولا فشله والمه الى حياة جديدة…والكتابة التي تعيد بناء هذه العوالم تحقق فعلا الانعتاق والتجدد رغم مأساوية الحياة .
كتابة نقدية شيقة ومجهرية وتعد مرجعا نموذجيا لكيفية النقد العميق…