الرسالة الخامسة والخمسون
كلّ شيءٍ مزحم على ما يبدو
فراس حج محمد/ فلسطين
الجمعة: 11/6/2021
غاليتي الجميلة أسعدت أوقاتاً وفرحاً وحبّاً، أرجو أن تكوني بخير، وأن تجدي فرصة لتقرئيني وتكتبي لي. أعرف مشاغلك وما أنت فيه، وسأكون سعيدا جدا عندما أقرأ شيئا منك ولو كان سطرا واحداً. أشتقت إليك جدا، منذ مدة طويلة لم أشاهد لك صورا جديدة، هل ستسعديني ببعض الصور؟
منشغل أنا كذلك هذه الأيام، لقد عدت إلى العمل على النشاطات الثقافية مع منتدى المنارة، أنشطة كثيرة قادمة كبيرة بحاجة إلى إعداد وتخطيط جيدين مع رئيسة المنتدى الدكتورة لينا، الأمور تسير بشكل جيد واعتيادي وسلس، وها نحن نعمل، على أمل أن نستضيفك يوما في موضوع ضمن اختصاصك، وأود أن يكون لنا نشاط حول الترجمة، أفكر منذ مدة بعمل فعاليات حول الترجمة. كنت قد كتبت حول هذه الفكرة، ولكنني لست مترجماً. أعتقد أن سيكون لقاء مفيدا. ربما عملنا على ذلك في اليوم العالمي للترجمة.
وعلى سيرة الترجمة، طُلب مني للمرة الثالثة ترجمة بعض نصوصي إلى اللغة الإنجليزية لتنشر في مجلات أجنبية، أرسلت دواويني إلى زميلة في الإشراف التربوي لتختار هي النصوص لترجمتها، لم أرد أن أفرض عليها نصوصا معينة، فأنا أومن بالترجمة عن حب وقناعة، وليس بطريقة ميكانيكية. لعلها تترجم لي ثلاثة نصوص على الأقل، للنشر في تلك المجلات. فهل يا ترى سأصبح مقروءا في لغة غير اللغة العربية؟ ثمة ترجمة أخرى قادمة إن حالفني الحظ لقصة قصيرة جدا، ضمن كتاب يضم قصصا عربية تترجمها إلى الإنجليزية الكاتبة والشاعرة السورية هند زيتوني. لعلّ تلك القصة تجد طريقها إلى الكتاب. لم تعد تذكر لي هند أين وصل العمل، لكنها تقول لي بين الحين والآخر أنها تعمل على الكتاب.
قاربنا على انتهاء العام الدراسي، وسأكون في رام الله الأسبوع القادم أيضاً للتنسيق حول فعاليات ثقافية نقيمها هناك. أكتب كثيرا هذه الأيام. اليوم سيكون هناك ندوة عبر الزوم لمناقشة “أفاق العمل الثقافي في الضفة الغربية”، لم أرض كثيرا عن هذا التعبير “الضفة الغربية”، ماذا على المنظمين لو قالوا فلسطين، كل فلسطين. على أي حال الموضوع مفتوح ومتشعب وآمل أن تتاح لي الفرصة فأقول ما لديّ.
لعلّك اطلعتِ على مقالتي الأخيرة حول الناقد وليد أبو بكر وشعره، ولا شك في أن لديك ما تقولينه حول هذا. أبلغيني شيئا عن ذلك لو أحببت أن توضحي بعض الجوانب. لقد أثني الدكتور عادل الأسطة على المقال، ولكنني نسيت- كما قال- أن أذكر راشد حسين ضمن شعراء فلسطين الذين ظلموا بسبب وهج درويش الشعري. أتذكر الآن ما قاله درويش عن راشد حسين: “أنا جزء من راشد وراشد جزء مني، فادفنونا وانهضوا، انهضوا إلى نشيد الحرية، نشيد الوطن، نشيد الفلسطيني العائد”.
منذ مدة طويلة أنتظر نشر مقالة لي حول رواية “مأساة كاتب القصة”، المقال طويل، يقترب من ثلاثة آلاف كلمة، يطلب مني المحرر الثقافي للجريدة اختصار المقال وتكثيفة إلى ألف كلمة. كيف أختصر مقالا، وأكثفه، فأتخلص من ثلثيه؟ إنها مشكلة. الصحف الورقية مساحتها محدودة، وقد سبب لي هذا إرباكا وأنا أكتب أحياناً. المحرر الثقافي في الرأي الأردنية كذلك لا يحبذ المقالات الطويلة. يواظب الدكتور عادل الأسطة منذ مدة على إنهاء مقاله الأسبوعي في جريدة الأيام: “المساحة محدودة والكتابة تطول”. الجملة الخاتمة فيها نوع من الاعتراض المبطن والشكوى من تقنيات الصحف التي تحدّ من الإسهاب والإيضاح اللازمين في أحيانٍ كثيرة. لذلك أنتظر طويلا حتى تتاح لي فرصة النشر. المقالات الطويلة أصبحت على ما يبدو مشكلة. أشعر أحيانا أن كل شيء ضيق المساحة هذه الأيام، حتى الفضاء الإلكتروني ضيق ومزدحم. عليّ ألا أخضع عقلي الباطن لاحتياجات الصحف وتقنياتها. يرفض المحرر نشر المقال الطويل على حلقات أيضاً، لأنهم في إدارة الصحيفة توقفوا عن ذلك منذ مدة طويلة. جعلت المقال بين يدي المحرر ولم يحسم إلى الآن، لعله سيفاجئني قريباً فينشر المقال.
غير هذا وذاك، هناك من يعمل على كتاب خاص “أنتولوجيا” شعرية من جزءين لتضم قصائد عن القدس، هكذا يخبرني الصديق حسن عبادي، يرسل إليّ رسالة بهذا الخصوص. لقد تفاجأ حسن أن لي قصائد عن القدس، كل ظنّه- ربما- أنني لا أكتب شعراً إلا في النساء والأيروتيك. إن شأني مع القدس كأي شاعر عربي وفلسطينيّ، فلم يوجد شاعر لم يكتب عن القدس، الكل كتب ويكتب وسيظلون يكتبون عن القدس، بل ربما القدس هي امرأة الشاعر الفلسطيني الأقرب إلى النفس والوجدان، أنا اكتشفت أنني كتبت عن القدس نصوصا شعرية كثيرة، أكثر من 20 صفحة في قصائد متنوعة. إنه كمٌّ يصل إلى حجم “ديوان صغير”. مع أنني أتجنب الحديث عن السياسة في الشعر. هناك دراسات كثيرة عن حضور القدس في الشعر الفلسطيني والعربي وتعتبر كشّافا مهما لفريق الإعداد الذين يبحثون عن الشعراء وعن القصائد “القدسية”. العمل مسبوق بطبيعة الحال، فقد كان هناك أنتولوجيات عن فلسطين كثيرة، ولعل أهمها “ديوان الفرقان” الذي أعده مؤلفه “د. أسامة الأشقر” عام 2009 ليجمع قصائد كتبت عن غزة، وكان لي حظ أن يكون لي فيه قصيدة. والعمل المخصص لجمع قصائد الشهيد محمد الدرة، وهو على ما أظن من جزءين. مأساتنا على ما يبدو ملهما شعرياً مكتنزاً. يا للمفارقة يا عزيزتي! الناس تموت والشاعر يكتب شعرا جيدا، يا للسخرية ما أمرّ مذاقها!
ما زلت أنتظر خروج الكتابين من المطبعة “استعادة غسان كنفاني”، لم تنته الدار بعدُ من إتمام الغلاف، أما كتاب “لا شيء يعدل أن تكون حرا” سيكون بين يديّ آخر الأسبوع القادم أو مطلع الأسبوع الذي يليه على أبعد تقدير.
هذا يا الحبيبة ملخص لانشغالاتي وانتظاراتي القادمة. ما أجمل لو تأتين إليّ يوماً فأستضيفك في نابلس! لن أعرّفك عليها، وما زلت أذكر قولتك البعيدة: “لا تتعامل معي كمرشد سياحي يا فراس أنا بعرف نابلس أكثر منك”. يا ليتك تأتين وأنا سائحك المشتاق، وأنت أنت الدليل السياحي والعاطفيّ.
بانتظارك بلهفة كل المحبين. اعتني بنفسك جيدا ولا ترهقيها بالعمل. قبلة لشفتيك الناعمتين اللذيذتين. وكلي شوق لردكّ وصورتك. أحبّك.
0 تعليق