نموذج روائي وحياتي للكاتب الفذ الفريد “صاحب الرسالة الروائية والكبرياء الشخصي والطموح المتدفق”!
يستأثر الغروب بانتباهنا لدى عودتنا الى الفندق، فقد كان يعجب ربيكا أن تأكل تراب الفناء البلل، وصفائح كلس تنتزعها من الجدران بأظافرها، وكانت اورسولا تتساءل: اذا لم يكن اولى بها لأن تنام دفعة واحدة في القبر، ويهال فوقها التراب. لا تعجبني الفكرة التي لا تقاوم الاهمال طويلا، ثم غادرنا الفندق. كنا جالسين طوال الهجير، وقد تخدرت سيقاننا: لكني لاحظت، في مائة عام من العزلة، أن فتاة جميلة تخرج الى الحديقة لتطوي ملاءات السرير، فترتفع فجأة، جسدا وروحا الى الفضاء…انها السخرية الطريفة، والخيال المتدفق، وخيبة الأمل المريرة: لم تكن ثمة سلطة حقيقية، فالسلطة مرتشية، وشركة الموز سيدة العدالة والنفوذ، لأنها ترشو الحكام. هناك خبر عن شاب في السابعة والعشرين، جرؤ على كشف سره، وهو أنه يتميزعن باقي البشر بأن مؤخرته تنتهي بذنب خنزير…تذكر أن معظم حقائق العالم، بدءا بالملاعق وانتهاء بعمليات زرع القلوب، كانت اولا في مخيلة البشر، قبل ان تصبح واقعا. لقد شاهد “دي غراف” الرحالة: جدول مياه تغلي، وافعى طولها عشرين مترا تغطيها الفراشات! وقد حملت الرياح القطبية سيركا بأكمله الى الفضاء. أعلنت ككاتب مبدع اني أرفض المناصب العامة وكذلك الجوائز والاعانات المالية من أي نوع كانت، وسأبقى دوما اشهر بحكام فاسقين، يرفضون المساواة، وساترك للقراء حرية التأويل، وسأبقى ملتزما بادب “الهروب من الواقع”، فواجبي الثوري ككاتب ملتزم: ان اكتب روايات جيدة، وان اقاتل الكلمات بضراوة: لقد قهرني الحنين الى ربيع طويل: ولكن العالم سيسقط الى الدرك الأسفل، يوم يسافر الناس في حافلة الدرجة الاولى، والأدب في عربة الشحن! ان كرامة الأديب الحق تمنعه ان يقبل الاعانات ليكتب (او ما يسمى العزلة الكتابية وسارقي المنح الأدبية الأدعياء الاستعراضيين حال كتابنا المزيفين الكثر) فهذه تسيء الى سمعته وابداعه: حاولو أن تصدقوا قصص ارتفاع ريميديوس الجميلة الى السماء، والأب نيكانور وهو يعلو عشر سنتمترات عن الأرض، لأنه شرب قدح شوكولا! أما الأمر فهو مختلف في السينما، فهي منوطة بعملية خلق جماعية…لقد شعر صاحب “مائة عام من العزلة” منذ البدء أنه أقرب الى “بورجيس، وفوكنر،وكافكا، وبروست”: انه غابرييل غارثيا ماركيز، صاحب الخيال الواسع، والحرية الفردية، والتشابك ما بين الظلال والكلمات المألوفة، والوجوه الحقيقية والكاذبة، رمز الحيوية، القادر على عيش الأحاسيس، المزاجي الساخر من الأوهام…صاحب الهذيان العبقري، والشخصية المتهورة، كاره قوالب التمدن البالية، الباهتة الألوان، ملك السخرية المزمنة والميل الفطري للتسلية الأزلية، صاحب الموهبة السحرية، الغير قادرعلى الاستعراض والغش، صاحب عزلة الأدب، الساعي لمحبة أصدقاءه…باختصار انه ارهابي يحمل ديناميت الحنان، رابط الجأش، كاره العادات الغبية، صاحب الرؤيا الملهمة وكاره العجرفة السخيفة…تنفجر كلماته في اعمق الأعماق، محدثة صدى أخرس عميقا!
اعداد الكاتب مهند النابلسي باختصار ابداعي “مركز ومعبر وشيق وانتقائي” عن مذكرات “ميغيل فرنانديز-براسو”: عزلة غابرييل غارسيا ماركيز(118 صفحة صغيرة)/ عن دار الكلمة للنشر/ ترجمة ناديا ظافر شعبان/ الطبعة الاولى 1981: متعة قراءة رواية سيرة ذاتية في صفحتين فقط وبشكل قصصي انسيابي لا يغفل عن أهم المقولات والأوصاف (فهذه بالحق مهارتي الخاصة ككاتب مبدع استثنائي التي لا تلقى التقدير والتحفيز والمكافأة)!
سلامي للجميع واجزم انه لم يصل روائي عربي لمستوى ماركيز التعبيري الابداعي ولا حتى الأخلاقي السلوكي وهذا ليس جلدا للذات بقدر ما هو تعبير عن واقح الحال وهذا بالحق مؤسف ومحبط…فعندما تقرأ الكثير من الروايات العربية وحتى الفائزة بالجوائز تكاد تنفجر من الملل والتكرار والهواجس الذاتية النرجسية وفقر السرد التشويقي الوصفي الجاذب ناهيك عن كثرة الاقتباس والتقليد الركيك لابداعات روائية عالمية….
عظيم الشكر وخالص الامتنان لهذا الموقع الفريد لنشره للمقالة وأنا الان بصدد اعداد مقالة شيقة جديدة مشتقة من كتاب ماركيز: كيف تكتب رواية؟! وارجو ان يتعلم كتاب الرواية العرب المتكاثرين افكار من هذه المقالة، فقد أصبح في الاردن تحديدا كتاب رواية شباب كثر، وتتخصص بعض دور النشر بهذا الصنف تحديدا…حيث تعجز أحيانا ككاتب وقارىء متابع متبصر عن اكمال بعض هذه الروايات المسلوقة الحبكة والحافلة بالأخطاء اللغوية والبلاغية، والغريب ان النقاد الأذكياء نادرا ما يسلطون الضؤ على مواطن الضعف والتناقضات في هذه الروايات أثناء حفل اشهارها، حيث تتم المبالغة بتبجيل الكاتب ونمط كتابته “الفريد الشيق”، وهذه امر محير ويصب بخانة المجاملة والنفاق، وبعض الكتاب لا يكتفي بحفل اشهار واحد بل يلجأ أحيانا لمرتين وكأنه لم يكتفي من جرعة الاشهار والتنويه الاولى…ولله في خلقه شؤون كما للرواية شجون وشجون ودمتم سالمين وقراء نابهين…
في اعتقادي اذا لم تكن هناك مرجعية أخلاقية وفكرية وجمالية تتحكم في رؤية المبدع الفنية ورؤيته للعالم ،فان النص يكون باهتا وغير ذات مصداقيةخاصة واذا كان هم الكاتب هو الجوائز ،او السبق للتباهي بنفسه ككاتب.. دمت مبدعا أستاذ مهند… لقد دفعتني الى تأمل مجموعة من العناوين لمبدعين تربعوا فوق عروش واهية …تحياتي مجددااستاذي الكريم
البركة أيضا في الكتاب والشعراء العرب. ولئن كان للعرب على مر العصور ما يتباهون به..؟ فلعل الكلام أهم ما يصح لهم أن يفخروا، ويفاخروا به معظم لغات أهل الأرض.
وإن كان هناك من الكتاب من يعيشون في الأبراج، ويحسبون أنهم محور الكون..؟ فالمغمورون لزوم هؤلاء (المبدعين). ليبقى الفصل دقيقا في بعض الحدود، بين مبدع ومتميّز وجيد ومغمور. لا سيما والأحكام لا تخلو أحيانا كثيرة، من انقسام حاد في الرأي حول عدد من الكتاب والروايات.
عندما نال نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب، كنت أعمل في شركة للنقل الجوي، وجاءني صديق وزميل في العمل من المهتمين بالشأن الأدبي؛ والبارعين بالكتابة “والتنظير”، ليبخس الكاتب حقه ويتهم الأميركيين، أنهم وظفوا كل نفوذهم ليحصل الكاتب على الجائزة.
وقلت له يومئذ: هب أنه نال الجائزة بتدبير من الأميركيين..؟ فهل تعتقد أن الأميركيين أغبياء ليمنحوا مثل هذه الجائزة كيفما اتفق..!؟ وهو أيضا ما أشيع ذات حين عن رواية الدكتور جيفاكو.
تصحيح
وقلت له يومئذ: هب إنه – بالكسرة بدلا من الفتحة على الألف بعد فعل القول – نال الجائزة
بتدبير من الأميركيين.. إلخ
تحياتي أستاذي. ..التقطت تفاصيل شخصية مبدع فذ ومميز. ..وذكرتني بروايته الموسومة ب(مومساتي الجميلات )حيث ينحث تفاصيل شيخوخة البطل ويكشف عن بعده الإنساني في قوته وهشاشته. …شكرا لك على هذه الإضاءة. …مودتي