ضاعت الفرصة

بواسطة | 30 يناير 2018 | قصص قصيرة | 1 تعليق

“ما بين لؤم الخال وتردد المدير المحتال وخبث الفرنسي الدجال ضاعت الفرصة وتردى الحال”:

“هؤلاء الفرنسيين، يا خال، لا يمكن أن يقبلوا ابدا بأية توصية في هذا الخصوص”!

“قيل مرة أن أمرك لا ينتهى أبدا، مادام لديك قصة تسردها وشخص يصغى إليها”..

(قصة “ادارية”  قصيرة واقعية ذات دلالة وشيقة وساخرة تتحدث عن “النكران الوظيفي والجحود العائلي”):

في مطلع الألفية الثالثة، وتحديدا في العام 1999، تم اختيار صاحبنا المهندس في خلوة استشارية في أحد فنادق البحر الميت(شارك فيها وأدارها مستشارين فرنسيين عالميين)…ليصبح مديرا تنفيذيا لمشروع “الآفاق” المعني بعمليات “الدمج والاستحواذ والتغيير” مع شركة الاسمنت الفرنسية-العالمية العملاقة، وقد شعر بالفخر والتباهي، وخاصة أنه تم اختياره بدقة من بين أكثر من عشرة مرشحين(حيث نجح بالاجابة على معظم الأسئلة التي طرحها الخبراء)، هكذا فرح صاحبنا وشعر أخيرا وكأن آفاق المستقبل تفتح مصراعيها أمامه، فأستلم مهماته الفريدة من نوعها بحماس منقطع النظير، وانغمس بالعمل الاستراتيجي الدؤوب الحثيث، واختار بمساعدة المستشار الفرنسي حوالي 70 شخصا من كوادر المصنعين لمؤازرته وانجاز المشاريع المقررة خلال السنتين القادمتين، وبدأ العمل مع فريقه بلا كلل ولا ملل لانجاز المطلوب، وبالفعل فقد حقق هذا المشروع الريادي تغييرات استراتيجية وتكتيكية لافتة في هيكلية العمل ونمط الادارة على كافة الصعد، فنشر صاحبنا النبيه، بالتعاون مع “جمعية الجودة الأمريكية” ثلاث مقالات فريدة تلخص “اسرار” ادارة التغيير الناجحة في صناعة الاسمنت الاردنية، ملخصا الكيفية والمنهجية والنتائج المتحققة، كما تم انهاء المشروع بتحفيز كافة العاملين فيه بواسطة شراء وتوزيع ساعات “تيسوت” السويسرية الجميلة، مطبوع عليها شعار المشروع للذكرى، وخلال فترة السنتين هذه سافر صاحبنا لفرنسا لأكثر من خمس مرات، لحضور الندوات والمؤتمرات وتبادل الخبرات والتدريب وتحديدا لمدينتي “باريس وليون”، وكان خلال هذه الفترة يعمل مع خبيرين فرنسيين بشكل وثيق، وتوقع في الختام انفتاح لمستقبل امامه مع الخبرات الفريدة التي امتلكها…وبالفعل انتهى المشروع اخيرا على خير، فقامت ادارة الشركة الجديدة “المخصخصة” عندئذ بطرح اتفاقات لعروض مالية للكثير من المدراء لانهاء عملهم والخروج من العمل، بغرض تخفيض الحمولة عملا بالهيكل التوظيفي الجديد الرشيق، لتتمكن من الانطلاق مجددا في قالب حديث انتاجي وربحي، ولتتوائم مع طبيعة العمل في الشركة الام…وهكذا كان، ولما عز على صاحبنا المهندس المثابر النجيب (الذي باشر ايضا بتعلم الفرنسية)،أن يترك هذه الشركة التي عمل فيها باخلاص طوال اكثر من عشرين عاما وفي مختلف المواقع، وخاصة مع الجهد الاستثنائي الذي بذله في وظيفته الأخيرة كقائد لمشروع التغيير، فقد طلب بالحاح من المدير العام الجديد (الفرنسي-السوري الأصل، والذي يتحدث باللهجة الشامية)، طلب منه ان يبحث له عن موقع قيادي ملائم ضمن الهيكل التنظيمي الجديد للشركة، ولكن هذا المدير استمهله مستفسرا: “أليس خالك المدعو فلان الذي يعمل حاليا كعضو منتدب في مجلس الادارة الحالي للشركة”؟، وكأنه يطلب منه خفية ان يستنجد بخاله لكي يعزز معه هذا الطلب مباشرة وليأخذ الموضوع على محمل الجد، وخاصة أن نفس المدير العام والخال المبجل قد اعجبوا مرة بطريقة عرضه لجدوى الاستثمار في صناعة الخرسانة الاردنية قبل اشهر، وبالفعل فقد اتصل هاتفيا بخاله المبجل، راجيا من “سعادة عطوفته” ان يتصل بالمدير الفرنسي-السوري ويوصي بابقائه في الشركة، ولكن هذا الخال المبجل تحول فجأة لشخص “لئيم غير- مبجل” قائلا: “هؤلاء الفرنسيين، يا خال، لا يمكن أن يقبلوا ابدا بأية توصية في هذا الخصوص”!، وأصر على وجهة نظره “الغير واقعية”، وأفاده صاحبنا المهندس (وقد وجد نفسه فجأة على مائدة اللئام) بأن لا ينغر بهم، حيث أنه اصبح يعرف ماهية وخفايا تفكيرهم وربما فسادهم المستتر، وخاصة ان معظم المدراء الآخرين وحتى الأقل منه شأنا قد جلبوا التوصيات”الثقيلة” للمدير العام بغرض الابقاء عليهم، ورجاه باستعطاف ان يفعل ذلك، ولكن “الخال” (الخال وهو أكيد ليس بخال وانما ربما خا…!) أصر على وجهة نظره بعناد ورفض الفكرة كليا “متحججا ومتهربا وربما غير راغب بالمساعدة”، ثم في الآيام التالية أشفق نفس المدير العام على وضع صاحبنا “التائه- المعلق-المحبط- الحزين والمعزول” الذي بدا “مستكين كالمسكين”، فعرض عليه من تلقاء نفسه فكرة استلامه لوظيفة جديدة تسمى “مدير المنتجات”، ففرح مهندسنا وخاصة ان “مديرنا” قد اقترح ايضا أن يحضر “صاحبنا” دورة متخصصة في فرنسا بهذا الخصوص، ثم طلب منه ان يبقي الأمر سرا، ولكن المدير الفرنسي نفسه أطلع بعض المدراء المحليين “الحاسدين الثرثارين” على الموضوع، فاستغرب صاحبنا من هذا التناقض الغير مفهوم والذي يدل ربما على “عدم الجدية”، وانتظر بفارغ الصبر حدوث ذلك قريبا، لكن المدير “الفرنسي/السوري” غاب في اجازة طويلة لباريس، ثم اكتشف صاحبنا لسؤ الحظ أن مديرا “تركيا” قد استلم هذه الوظيفة الواعدة بدلا منه، هكذا طارت “بلا عودة” فرصته الوحيدة للبقاء في الشركة الجديدة، وخرج او “اخرج” نادما ومحبطا يجر أذيال “الخيبة والهزيمة”، لاعنا في سره وعلنه “الجحود الوظيفي والنكران العائلي” …وهكذا كان، ثم علم لاحقا أن نفس المدير “الفرنسي السوري” المبجل الذي خجل خاله “اللئيم” من مبادرة التوصية له بشأنه، قد “طرد” من الشركة الجديدة “المخصخصة”، وهرب للكويت بتهم تتعلق ب”الفساد المالي الخفي الجانح”، ولكن مهندسنا المقهور لم يسكت كعادته فأرسل رسائل احتجاج لمدير مجموعة لافارج الفرنسي “البروقراطي-المتعالي” القابع في باريس، ورسالة اخرى “للبي بي سي” العربية يستعرض ما حدث معه، وقد عرف من آخرين ان هذه الرسائل قد وصلت ولكن بلا جدوى وما الفائدة المرجوة منها وقد وقع الفأس في الراس، بل هي مجرد فشة خلق في الهواء لا تحدث “انبعاجا” في لا في الهواء ولا حتى في الهراء، فتبا للظالمين المفترين وللأقارب العقارب اللعينين آمين، وحسبي الله ونعم الوكيل، وبه فقط نستعين، وللمفارقة الطريفة فقد اتصل به مهندس محلي موفد من “لافارج” بعد حوالي السنة طالبا مساعدته “المجانية” كخبير “مطلع و نزيه” بغرض اعادة احياء ملف “ادارة التغيير” واطلاقه من جديد، ولكن صاحبنا رفض باصرار وقد شعر بعدم الجدية والمجانية في الأمر والطلب، واستغرب من وقاحة الشركة الفرنسية واستهتارها بالخبراء المحليين، فيما ينتقل الفرنسيون المتخصصون من موقع لآخر بأعلى الرواتب ويجوبون العالم!… وحتى تكتمل المصائب التي تقع احيانا مرة واحدة، فقد اصيب “صاحبنا المهندس” “الحساس المسكين” بعد عدة أشهر بجلطة قلبية حادة (وربما بتأثير تداعيات القهر والاحباط والتهميش)، كادت مضاعفاتها أن تودي بحياته  مبكرا نظرا للاهمال والخطأ الطبي الوخيم ، ولولا العناية الالهية الرحيمة ولتدخل نطاس بارع في اللحظة الأخيرة، لأصبح صاحبنا المهندس النجيب في غياهب العدم السرمدي المديد وبين يدي الله الواحد القهار العظيم، ولكنه نجا والحمد ل”الله” رب العباد والكائنات الرحيم وخالق الأكوان القدير… وهكذا كان، وقرر أن يحول حكايته الغريبة لقصة ساخرة عجيبة فعسى أن تنال اعجابكم!

م. مهند النابلسي كاتب وباحث وناقد سينمائي جرىء وموضوعي وهو "اردني من أصل فلسطيني" وعضو رابطة الكتاب الاردنيين والاتحاد العربي لكتاب الانترنت. عمان – الاردن Mmman98@hotmail.com

1 تعليق

  1. إبراهيم يوسف

    لا تتأسف ولا تحزن يا صاحبي
    ضاعت الأوطان وضاع العمر كله يا مهند
    المصالح والشفاعات في الغرب
    أقل حدَّة وسوءاً من بلدان العرب
    ولكن لا يختلفان كثيرا

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبلغني عبر البريد عند كتابة تعليقات جديدة.