في الرد
على تعليق شكتني ثريا
للصديق
إبراهيم يوسف
من الحكايات البدوية؛ التي لا زالت تستوطن ذاكرتي من قديم الزمان، وتراود أحلامي من حين إلى حين؛ حكاية “حميدان” ابن الضيعة “البعلبكية” يتيه في الصحراء، وهو مسافر طلبا للرزق في بلاد الحجاز، حينما أصابه عطش شديد في الطريق.
ورأى في الأفق البعيد دخاناً خفيفاً يتصاعد في السماء، فاندفع نحو الدخان وهو في الرمق الأخير، ليجد نفسه وقد انهكه التعب وأصابه الوهن والنعاس؛ أمام بيت دقّت أطنابه فوق مرجٍ صغير، وأمام البيت أبصر صبية بدوية بثيابٍ جميلة مزركشة الألوان؛ تأمر الشمس من فرط حسنها بالأفول؛ لكي تشرق على الكون نيابة عن ضوء الشمس الشحيح.
لم يكد حميدان يحرّك شفتيه في طلب الماء..؟ حتى وصلت اليه “شيماء” الصبية الحسناء، وبين يديها “كولكٌ” من خشب السنديان، وفيه طلب المسافر من أصفى ينابيع المياه. تنعكس على صفحة “الكولك” قسمات وجهها الساحر وخيال عينيها الناعستين.
ووقع حميدان لتوّه في هوى شيماء، وعينيها المكحولتين الفاتنتين. لكنه من فرط عطشه؛ راح يعب الماء بسرعة ولهفة، وهو يخالسها النظر من خلال صورتها تنعكس في “الكولك” فوق سطح الماء. لم يكد يبتلع الرشفة الأولى حتى بادرته شيماء برمي “كمشةٍ” صغيرة من القش فوق الماء.
غضب حميدان من فعلة الفتاة، وتمنى في سره لو يتحداها ويتوقف عن شرب الماء..؟ لكن عطشه الشديد غلبه على نفسه، فواصل الشرب بلا احتجاج، وصار يتوقف بين الفينة والأخرى ليبعد القش، ويمنعه من الدخول إلى فيه مع الماء. هكذا كان حميدان يشرب على مهل بفعل القش ينتشر على وجه الماء.
شرب حتى ارتوى بحمد الله وفضل البدوية شيماء؛ وانقضى ظمأه وحاجته إلى الماء؛ ليحلّ مكان الظمأ عطشٌ من نوعٍ مختلف وشوقٌ لمعرفة سرّ البدوية الحسناء..؟ ولماذا رمت القش في كولك الماء..!؟
وبعد لعلّك يا صديقي؛ أدركت ما يعنيه سرّ إلقاء القش في الماء، علي يديّ البدوية شيماء..؟ هكذا يا صديقي وصلتني رسالتك الجميلة، عبر الفكر والسنابل الذهبية التي لم يأتِ موعد حصادها بعد. لكن الرسالة وقعت عندي موقع الماء والبدوية في قلب صديقنا حميدان.
وها أنا أرتشفها صافية مسكرة كالخمر الحلال؛ بلا قش يكدر صفوها بل بتأنٍ ودرايةٍ علّمتنيها حنكة التجارب والأيام. بعد أن حفرت في وجهي أخاديد العمر والتعقّل، وما لا يذكر من العلم والعرفان.
الخمر الحلال..؟ هل هي فتوى يا مولانا الشيخ..؟ كفتوى الإرضاع الشهيرة؛ لصاحبِ الفضيلة.. يا رعاهُ الله.. أو هي: هل يجوز أو لا يجوز تفخيذُ الصغيرات… أو لعلها ذلك اللولبُ الشائك المبتكرُ؛ يُغْرسُ في “مُسْتودع الأسرار”.. لحمايةِ المرأة من الاغتصاب..؟ متعب أنت والله ياشيخ أحمد. وبعد دعنا من من الحرام والحلال وتعالَ بنا إلى الأدب والرياضيات.
طلب مدرِّسُ الرياضيات من “أبي المعاطي”، أشطر تلميذ في الصف أن يتوجه إلى السبورة ليرسم مثلثا ويبرهن لرفاقه الطلاب نظرية “فيتاغورس” عن المثلث قائم الزاوية، فارتبك الطالب وأسقط من يده وخانته ذاكرته، فرسم مثلثا كيفما اتفق ولم يقل حرفا واحداً، حينما توجه إليه الأستاذ متهكما قائلا له عد إلى مكانك يا غبيّ.. وهو يترنم ويتلو على مسامع الصف بيتاً من الشعر؛ يندد فيه بالطالب ويهجوه قائلا له:
“يا قرحة القلب والأحشاءِ والكبدِ
يا ليتَ أمك لم تحبلْ ولم تلدِ”
وقف زميل “لأبي المعاطي” دون أن يطلب إذناً بالكلام؛ وقال لأستاذه باستغراب ودهشة: فاجأتني يا أستاذ بما تحفظ وتعرف من الأدب نثرا وشعرا..! حسبتك والله بارعا في الرياضيات فحسب..!! أجابه الأستاذ بكثير من الاعتزاز والثقة بالنفس: تأكد يا بنيّ أنني حفظت ألفية ابن مالك، وأعرف من الشعر والنثر ألف مرة أكثر مما تعرفه ويعرفه سائر الطلاب..! ضحك الطالب بشماتة من أستاذ الرياضيات قائلا: تأكد يا سيدي أن معرفتي بالأدب العربي تساوي صفرا.. فاحسب جيدا ناتج الصفر مضروبا بألف..!
هذه المقدمة المتواضعة؛ لأرفع يميني عالية فأشهد بالحق ولا شيء غير الحق، أن الدكتور أحمد “مسبِّع الكارات”، الفيزياء والرياضيات والسياسة والأدب بشقيه نثره وشعره- الشعبي أو الموزون، بالإضافة إلى تاريخ العشائر ونزاعاتهم بسيئاتها التي لا تحصى، وحسناتها التي تكاد لا تذكر، وأخيرا نقمته على باب الحارة..؟ الدكتور أحمد موسوعة لمن لا يعرف؛ وسهرته لا تفوت. تبلغوا وبلغوا أنتم مدعوون للسهر معه حينما ترغبون، أو أقله هاجموه على الفيس بوك، فلا ترأفوا بحاله أو ترحموه.
أهنئك بالبصمة الأولى لك في السنابل..
واسمح لي بهذه المناسبة أن أحتفي بك وبنصك الجميل بابتسامة من القلب.. وورد جوري ونغم عذب، وبكل مايليق بك.
احترامي وتقديري لك وللفاضل إبراهيم يوسف.
الكاتبة والأديبة ايناس ثابت
من شمس صنّين ونسائم تشرين
أقتطف لكِ باقةً من النور مضمّخةً بعطر وُضوء أرض الكويف* بقطرات الندى الليلة.
أرسلها مع ابتسامة الصباح المشرقة شكراً لكٍ وتحيةً وسلاماً
*”الكويف” وادٍ من وديان بلدتنا، شمسطار، و مهد لسيلٍ يثور مرةً في السنة فيجري حين تبدأ ثلوج صنين بالذوبان ويتوقف في أواخر الربيع، ولا تتوقّف نسيماته عن تلطيف جوّ بلدتنا طيلة الصيف.
لطالما أرَّقني طيف بدويتك..؟
تظهر أمامي.. من حين لحين