Downsizing

بواسطة | 26 يناير 2021 | فنون و سينما | 0 تعليقات

Image result for downsizing full movie
التصغير/”داون سايزنغ”(2017):

رفاهية نموذجية وطبقية عشوائية وطرافة افتراضية  في “ديستوبيا خيالعلمية” غير منطقية:

“نموذج كتابي مرجعي انطباعي فريد للنقد السينمائي الشيق والمتوازن المتكامل”!

*عندما ينجح علماء نرويجيين باجراء عمليات التصغير على البشر ليصبح حجمهم خمس انشات فقط، بعد ان نجحت التجارب الأولية على الحيوانات، ينبهر العالم لاكتشاف هذه التقنية البيولوجية الرهيبة التي يتم تعميمها، والقادرة على حل مشكلة الاكتظاظ السكاني وارتفاع تكاليف المعيشة، ثم يقتنع بطلنا “باول” (الممثل مات ديمون بدور لافت)، وزوجته “اودري” (كريستن وييغ)، يقتنعان بالفكرة، ويقرران ترك حياتهما الصعبة وعملهما المتعثر المضطرب حتى يتقزمان، ويسكنان في مجتمع مثالي مرفه لللأقزام الأثرياء، ولكن هذا الخيار المصيري الغريب، يشعل سلسلة من التحديات الحياتية  والتغيرات الغير متوقعة…انها كوميدية درامية “خيالعلمية” من اخراج “اليكسندر باين” (صاحب التحف السينمائية: نبراسكا والأحفاد والطرق الجانبية، والمتخصص بأفلام الطريق وقصص العجائز ومتوسطي العمر والورثة اليافعين)، وبالاضافة لتميز اداء “مات ديمون”، الذي بدا “مسكينا وتائها وطيبا” وبالحق فنحن لا نفهم لما تخلت عنه زوجته فجاة ورفضت التقزيم، ثم طلبت الطلاق فجاة، وهي التي كانت متحمسة كثيرا في البداية، كما لا نفهم سر طيبته الزائدة بطريقة تعامله مع “الخادمة الفيتنامية” وبيئتها البائسة، كما أبدع بالحق “كريستوف فالتز” (الممثل النمساوي البارع) بدور جاره الثري الصاخب الساخر “خفيف الدم”، واطلق طوال الفيلم كما كبيرا من الكوميديا الساخرة والتعليقات المجازية الطريفة، وبدا لنا وكأنه “الراوي” الذي يجيب على تساؤلاتنا الكثيرة تجاه تدفق كم الأحداث المتلاحقة والتي اتجهت لمنحى غير متوقع، فيما لم ينجح المخرج (في اعتقادي المغاير حصريا) بادارة الفتاة الفيتنامية العرجاء، وبالغ باظهارها كبلهاء مضطربة مندفعة، ربما تعاني من نوع من “الوسواس القهري” والتي قامت السلطات الفيتنامية بتقزيمها عمدا ضد ارادتها لكونها معارضة مشاغبة، وتبالغ دوما باظهار “الطيبة والمسكنة والرغبة بمساعدة الأخرين”، بحيث لا يستطيع المرء توقع ردود أفعالها، فيما لو تفهمنا وقدرنا طبعا طيبة افعالها الخيرة تجاه “الأقزام ” البائسين الجوعى (المرضى) والمقعدين في بيئتها السكنية في الضواحي، هؤلاء القاطنين في العشوائيات اللاتينية /الأسيوية المزدحمة القذرة، والتي تعج بالمرض والبؤس والفقر والحرمان والجوع (في المشهد الأخير نرى ديمون بتأثير الفيتنامية التي وقع بحبها، وهو يهرع لتقديم وجبة غذائية لرجل بائس مقزم مقعد يعيش في العراء، مع أنهم في بداية الشريط ركزوا على توفر ورخص الطعام والوجبات الغذائية المخصصة لبشر اقزام، وهنا يكمن التناقض الغير منطقي في السيناريو الغير متوازن)! تماما عكس نمط حياة المجتمع الأبيض المرفه، الذي يعيش منعزلا ومحميا، والذي يحظى سكانه جميعا بأطاييب الحياة الرغيدة والكماليات والترفيه، ولا احد يعرف كيف يحدث هذا التناقض الرهيب في نمط الحياة ومستوى العيش، بالرغم من كثرة الوعود البراقة التي أمطرنا بها الشريط في بدايته، وخاصة فيما يتعلق بمغزى التقزيم واسبابه لتحقيق الرفاه والسعادة لأصحابه …

*ويبدو من وجهة نظري النقدية أن هناك خلل هيكلي كبير في بناء القصة والسيناريو، يتمثل بكيفية الموازنة بين مجتمعين مقزمين متناقضين تماما “وربما متجاورين نوعا ما”، أحدهما مثالي مرفه، والآخر بائس ومعدم، فكيف يمكن أن يكون ذلك منطقيا بمراعاة تكاليف التقزيم الباهظة، ثم كيف يمكن أن يتحول التقزيم لمشكلة، اذا كان هو في الاساس حل ووسيلة للنجاة من الازدحام والصراع الطبقي المقيت، ولتخفيض تكاليف الحياة والسكن والعيش الاستهلاكي اليومي؟! وبدا لي صراحة وكأن المخرج قد تورط بهذه المقارنات ووسع الثيمات وانغمس بالحيثيات، ولم يعد قادرا على الخروج منها بسلاسة، حتى أنه تورط بقصص وتداعيات التصغير الغير كفؤ كعقاب تلجأ اليه الحكومات العالمية المتسلطة لمعاقبة المناوئين والمعارضين، والذي ادى على سبيل المثال لانفجار جمجمة زوج الفيتنامية “الخادمة المضطربة” لعدم نزع اسنانه الصناعية قبل العملية…فكيف يمكن لذلك ان يحدث؟! كما لا نفهم حقا سر تقزيم خادمة فيتنامية معاقة وفاقدة لرجلها، ومهما كانت مشاغبة، الا “بسذاجة” طريقة عرض معاناة المناوئين في الدول التي تعتبرها امريكا مارقة ومتسلطة، كما لا نفهم سر انجذاب “مات ديمون” بهذا الشكل الجارف وتورطه مع مأساتها ومعاناتها مع البائسين والبائسات امثالها القاطنين في عشوائيات وضواحي مدن الصفيح ووقوعه اخيرا بحبها، الا ربما انتقاما خفيا من نبذ زوجته له، ورفضها للتقزيم وانفصالها وطلب الطلاق!

*وبالحق وان كان هذا المخرج “الغير متمرس” بهذا النمط من سينما الخيال العلمي متخبطا، الا انه نجح أحيانا باضفاء سمات واقعية على الأحداث المتضاربة والمتداخلة في طبيعة تصويره للمجتمعين، وهذا لا ينفي وقوعه بعدة اخطاء اخراجية جلية جعلتنا لا نكاد نصدق ما يحدث على الشاشة، فظهرت بعض المشاهد كسيريالية عقيمة متداخلة بلا مغزى، ومنها عيش بعضهم هكذا “متشردين بلا مأوى” في العراء حول العشوائيات السكنية البائسة، بلا حماية منظورة من هجوم الحيوانات والطيور المفترسة الجائعة في المحيط حول المكان، اذا ما اخذنا بالاعتبار صغر حجومهم مما يجعلهم لقمة سائغة لهذه الحيوانات الهائمة، ثم انه حشر الكثير من الأحداث والثيمات، بحيث تهنا كمشاهدين، وضاع مركز الحدث الرئيسي الحيوي، وبتنا نتخبط في مواضيع جانبية، كما أن قوة السخرية اللاذعة المتتابعة، أضعفت بالمقابل الحجج الحياتية والبيئية، ففي المحصلة يقول العالم النرويجي المتحمس (مخترع الفكرة الساذج) في آخر الشريط أن عدد المتقزمين عالميا لم يزد عن 3%، مما يجعل الفكرة باهظة التكلفة وغير مجدية عمليا، ويكمل مشروعه “الديستوبي” بطلب اللجؤ لكافة الأعضاء المتحمسين  (كطائفة “دينية” منعزلة) والعيش في سرداب ضخم محمي ومكتمل تحت الماء في ضواحي اقصى شمال النرويج هناك بمحاذة القطب الشمالي (في رحلة ذهاب بلا عودة)، وذلك (حسب ادعائه) للنجاة وتفادي كارثة الانقراض السادسة القادمة حتميا!

*خلط المخرج الشهير “ألكسندر باين” مواضيع كثيرة جدلية مثل: الاحترار العالمي، والاستهلاك الجماعي للموارد المحدودة، والازدحام السكاني، وارتفاع تكاليف المعيشة، كما أشاد بابحاث العلماء لاجتراح اساليب للعيش والتوائم مع التحديات الحالية والقادمة،  وركز على امتيازات البيض كجنس اوروبي متفوق على الكوكب، ثم لدور النساء البائسات الكادحات النازحات ولانتشار الفقر والبؤس في الضواحي، وركز كثيرا على مكمن الفكاهة والطرافة الناتجة عن لاجئة فيتنامية كادحة (تعمل كخادمة أجيرة في “الجيتو الباذخ المنعزل”، وتعيش مع زميلة مريضة في سكن البائسين)، وأظهرها مرارا وبمبالغة وهي تتحدث بانجليزية ركيكة مضحكة وخاصة وهي تصنف بتبجح “أنواع الحب حسب المفهوم الأمريكي الدارج الوقح”، وتورط لاحقا باصطناع علاقة حب بينها وبين “مات ديمون” لم تكن مقنعة البتة ولا منطقية، ثم حشا كل هذه الأحداث في محور قصة التصغير، وخرج بتلك “العجائبية السينمائية الشيقة (ولا اقول التحفة) التي من الصعب تصديقها حقا، ولكن الممثل البارع التلقائي “مات ديمون” والفيتنامية الكادحة “المهرجة بلا قصد” مع النمساوي الكاريزمي اللافت الأداء “كريستوفر فالتز”، ابقيا جميعا زخم الحدث، وخاصة هذا الأخير بتعليقاته الساخرة المتلاحقة وتبريراته الطريفة، كما بتبجحه بالثراء والفساد والمغامرة والحكمة، مما حافظ على مصداقية السرد والتشويق والمتابعة أحيانا، وهناك مثلا شعبيا مصريا دارجا يقول “اللي مش كارو يا نارو”، وهو ربما ينطبق عل مخرجنا الفذ، الذي اقتحم هنا مجال الخيال العلمي متطفلا، وكان عليه أن يبقى ربما في مجاله المبدع المنحصر في نمط أفلام “العائلة والطريق”، وأن يتجنب ربما الخوض مستقبلا في مجالات تجريبية لا يتقنها ولا يعرف متاهاتها، فيكاد يتخبط بوضوح داخل دهاليزها فيخرج بشريط شيق طريف ولكنه غير منطقي ولا مقنع ومتناقض ويحفل بالثغرات!

مهند النابلسي / كاتب وباحث وناقد سينمائي /

Image result for downsizing full movie
Image result for downsizing full movie
م. مهند النابلسي كاتب وباحث وناقد سينمائي جرىء وموضوعي وهو "اردني من أصل فلسطيني" وعضو رابطة الكتاب الاردنيين والاتحاد العربي لكتاب الانترنت. عمان – الاردن Mmman98@hotmail.com

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبلغني عبر البريد عند كتابة تعليقات جديدة.