Prométhée بروميتي

بواسطة | 15 أغسطس 2017 | مقالات | 0 تعليقات

ابن عمتي عادل، كاتب لامع، جلد، خبير بالانتروبولوجيا. يدفعني دون انقطاع، نحو أشغال شاقة، لكنها أشغال غنية بالمعارف الإنسانية. إليه ومن أجله كتبت عن بروميتي العزيز على قلبينا، وعلى قلوب كتاب كبار: روسو، وغوتي إدغار ألمبو و أندري جيد وغيرهم كثر، ممن قرأوا في ثورة التيتان، طموحا ثوريا يبحث بلا توقف عن الحقائق التي تجسد المثل العليا، تلك التي تناقض مادية زوس وتتصادم مع سيادته. بروميتي هو البعد الفلسفي لهذا الطموح الذي تجلى في حركات التحرر الوطني. والرمز الفاعل في علم النفس، فالنسر الذي ينهش الكبد ليس الا ضميرا لم يتحرر بعد من المحظور على ما زعم اندري جيد ، رمزا” للثورة على السائد. وصفة في اللغة الجارية على قول “كامي” تميز الروح الثائرة وتنعتها وهذا ما خلصت اليه.هو واحد من التيتان الجبابرة، اله مبعد من السماء، والمُفْضِل المنعم على الجنس البشري. إبن لابيتوس من الحورية كليميني ذات الكعبين الرشيقين.

ويعتبر في بعض الكتابات ابن تيميس الممتلئة عدلا” وحياء، رمزان لعدالتها: سيف بين يديها وميزان. وهي الزوجة الثانية لزوس والتي كشف لها أسرارا من شأنها – لو شاعت – أن تقوّض المقر الإلهي. وتذهب روايات أخرى الى أنه ابن هيرا الزوجة السماوية المغتصبة، تلك الحسودة المتعالية التي تمشي بخفين من العسجد.

نام لابتوس وكليميني على سرير واحد، فتكون من مائهما أبناء أربعة. أولهم الذي لا ينثني قلبه أبدا، أطلس الذي حمل السماء الفسيحة عقابا أبديا بعد ثورته. وإبيميتريه، آفة الشر لآكلي الخبز والأبله الذي يفكر بعد فوات الأوان، زوج باندورا أول امرأة ترتبط بها كل شرور الأرض والرائع مينوتيوس الذي ضرب بالصاعقة لجرأته المفرطة في حرب الجبابرة.

وفضل الرابع بروميتي  الذي يقلّب الف فكرة وفكرة أن يحارب الى جانب زوس وهو الذي حضر ولادة أثينة التي خرجت من الجرح العميق مدججة بالسلاح.أثينة ذات العينين الرماديتين، التي علمته فن العمارة وعلم الفلك، الملاحة والرياضيات، الطب والتعدين الى جانب فنون أخرى شديدة الفائدةنقلها “الفكر السبّاق” الى الناس، تماما كما وضعها أرباب تقنيون.تزوج الاله المبعد من السماء ابنة المحيط وسيد الأرض من زوجته الحورية تيتيس التي رفضت أن تتزوج من زوس حتى لا تثير غضب هيرا ولها عليها الزوجة السماوية فضل ارضاعها.

من هذا الزواج، أتى أخيل بطل طروادة. وديكاليون بطل الطوفان التقي الذي أعاد تأسيس الحياة. و في بعض الأقاويل المتأخرة أن بروميتي خلق الجنس البشري، كوَّنه من طين لازب، لا بل من طين مجبول بدموعه الحقيقية تم نفخت فيه أثينة أشياء من روحها.

قال بندار : ” نحن جميعا الالهة و الناس من عائلة واحدة. أمّ واحدة أعطتنا الحياة وكنا -خالدين ومنذورين للموت- نأكل على بساط واحد، لكن تغير كل شيئ بعدما أغتصب العرش أرباب الأولمب. لقد فرض أبو الآلهة سيادته ليس فقط على الآلهة القدماء وإنما على الناس جميعا”.

نشأ الفكر السياسي مرتبطا بالمعرفة الأسطورية على ما كتب أفلاطون في حواره عن الديمقراطية مع بروتا غوراس تماما مثلما كان الاله العاقل يبحث قبله عن عدالة التوزيع تعويضا عن الخسائر التي خلفها بله أخيه عندما ترك الانسان مجردا من المزايا حتى من الحكمة السياسية التي بقيت مدفونة – بغير استعمال- في خزائن زوس.

ثار الاله الفاضل لمّاوجدالانسان عاريا; خفا وثيابا و سلاحا وبدأ يستعرض في ذهنه، ألف حل وحل.وهو العارف أن النار- أهم المزايا – شرط لازم للفنون والتقنيات.

ذات يوم قدّم ثور ضحية على المذبح وليس هناك من خبر قسمته بين الآلهة و الناس. تقدم الاله البار قسيما فقطع وصنّف ومن الجلد صنع صرتين ملأ احداهما باللحم والأمعاء والقطع الدسمة و حشا الأخرى عظاما مغطاة بالشحوم اللامعة – واللمعان يجذب الحمقى- وطلب من ذي الدرع أن ينتقي أي الصرتين يريد.

اختار الاله الجشع الصرّة الكبرى قائلا: أنت المميّز يا ابن لابتوس لقد قسمت الأنصبة قسمة ضيزى.

ولما عرف بسهولة خداعه امتلأ قلبه غيظا.أرسل باندورا كملاريا اليمن الان واحتكر النار التي لا يستغني عنها البؤساء، من دونها لن يطرق حديد، و يطهى طعام، لن ترتفع حرارة الأبدان الباردة ولا يبدد النور العتمة الحالكة. لذا قصد أثينة والتمس منها أن تسرّبه خفية الى مقر الآلهة،سرق نور النار والفنون الملازمة لها في قصبة ووضعها  في خدمة الناس متفائلا بما ستحمله النار من فتوحات جديدة.

ولمّا ارتقى الملأ قليلا في سلم الحضارة، تجمعوا في المدن يتقاتلون ولا يوقر بعضهم بعضا. خشي زوس ان ينقرضوا في تنازعهم فأوحى لهرمس ان يحمل اليهم الدفعة الثانية من المزايا: الوقار و العدالة و دراية الحكم. سأل هرمس :هل توّزع الأعطية الجديدة كما وزعت الفنون من قبل؟. قال ابن كرونوس-خلافا لحمقه – لا وزّعها على الجميع يجب ان يأخذ كل فرد نصيبا من فضائل العدالة والوقار.

مغتاظا من دوام تمرّده وتنوع فكره، قيّده زوس عاريا على جبل القوقاز وسلّط عليه نسرا ينهش الكبد نهارا ليلتحم الكبد ليلا حتى لا تتوقف الألام تلك التي يعتبرها كتّاب من آلام الخطيئة الأولى.

ثم غفر له زوس بعد قرون طويلة- وبرضى منه – قتل هرقل النسر (الضمير الذي لم يتحرر بعد) وفّك قيود صاحبه. اعترافا بالجميل زوّده الاله المحرّر بما يلزم من الحذر ليقطف التفاحات الذهبية من حديقة الغروب. واشترط الاله الكبير أن يحمل المغفور له – الى الأبد- خاتما صنع من قيده هو اوّل الخواتم المعدنية المرصعة بالحجر الكريم. والخاتم صك دائم للعبودية يختتم به المؤمنون الأن مثلما اختتم به قسرا اله ثائر.

كما قضى ذو الدرع – و قضاؤه مبرم- ان يبقى بروميتي الهاً منذورا للموت محروما من نعمة الخلود، الا اذا ارتضى أحد الخالدين ان يبادله المصير. وحده شيرون الذي تلقى علوما عالية في معاهد ابوللو. والذي جرح بسهم مسموم من سهام هرقل. وحده- يائسا من شفائه-تنازل عن امتيازه لمصلحة بروميتي.

أخيرا وجد الاله الطيب مكانا نهائيا له بين الخالدين على جبل الأولمب.

أسطورة أشهر ممّا ترك الأدب والفن القديمان. والأرجح أنّ زوس حمّل بروميتي جريرة خلق الناس ثمّ جريرة ثورتيه الدينية والسياسية. فعندما حمل لمخلوقيه النار، و بالتالي الحضارة، حمل اليهم مفتاح التحرر من عبودية زوس الذي اغتصب السلطة من مغتصبين. ومع بزوغ المسيحية الأولى أوّلت الأسطورة واكتسبت معاني لم تكن فيها. فهو المسيح الوثني الذي صلب لحبّه الناس. و القيمة الأخلاقيّة التي انفصلت شيئا فشيئا عن آباء الكنيسة  على ما زعم نانون غاردان.

راجع المقال ونقله من الفرنسية م. عادل الحاج حسن

د. شوقي يوسف – لبنان

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبلغني عبر البريد عند كتابة تعليقات جديدة.