تسلم الوالد –الموقر– “الكولية” التي وصلت باسمه من مصلحة الطرود، بعد ان ادلى بحججه الدامغة في احقيته بذلك. كانت عبارة عن علبة كرطون مستطيلة جميلة المظهر، يطغى عليها اللون الابيض، الموشوم بالأزرق والاصفر. كانت متوسطة الحجم، وخفيفة. كتب عليها بحروف طباعية بارزة: “طرد متوسط”، مع اسم ثلاثي للمرسل من الكويت، وكذا المستقبل بالمغرب. خفة الطرد اثارت استغراب الاب، وجعلته يتساءل:
“لماذا كل هذا التعب والسفر الطويل من اجل هذا الشيء الصغير؟”
واستحضر صوت زوجته (الأم) تتوعده: “ما تفتح الكولية. فيها شيء حاجة خاصة”. وهم أن يفتحها ليقتل اصوات شكه واسئلته المغرضة. لكن صوت الزوجة ارتفع حادا في وجهه : “ما تفتحش الكولية. ما تفتحش الكولية”. فعاد الى المحطة الطرقية، وشد الرحال نحو البلدة، والكولية بين يديه لا يفرط فيها ابدا.
* * *
انفتحت الكولية وخرجت منها امرأة جميلة، بل فاتنة، بشعر اسود منطلق، وجسد بض، وقامة هيفاء، عارية (والعياذ بالله) وتحمل في يديها ثعبانا يتجاوز طوله المتر. الوانه زاهية: اصفر ممزوج بالأحمر، وموشوم بالأسود، ومتخلل بالأبيض. انيق، يدغدغ جسدها، ويتلوى عليه، منسابا بنعومة فائقة تجعل جسد المراة يهتز ويشع منه نور ابيض يشكل هالة قمرية رائعة.
اصيب الاب برهبة، ونشف حلقه، واحس انه يصرخ بقوة. مما يصرخ؟ أمن الخوف ام من الدهشة والصدمة؟
* * *
“سبحان الله اسيدي”، قال له جاره في الحافلة، حين وجده يصرخ، والكولية تكاد تسقط من بين يديه. افاق الاب على صوت جاره، واستغفر الله، وتجنب ان يحكي له عن حلمه :”انه غريب عني”، غمغم.
بعد ساعة كانت الحافلة تقذف بركابها في دروب البلدة. اسرع الاب الى البيت والكولية بين يديه، مرتاح لنجاحه في المهمة. ولكن انزعاجه ملموس من المنامة الغريبة، ومن غموض سر هذه الكولية.
* * *
استقبلت الأم الكولية بحفاوة، دون ان تعير ادنى اهتمام للاب وحالته. انزوت في غرفة بعيدا عن انظاره، ولحقت بها ابنتها، وشرعتا في فك رموز “العلبة السوداء” رغم ان لونها تتقاسمه الوان عديدة، ووصلتا الى قلبها : صورة للعريس (ابنها) وعروسه، مكتوب على ظهرها : “تحية لأمي وابي واخواتي واخوتي. هذا حقكم من العرس. حتى موعد مقبل…”، ومنديل ابيض، ناعم الملمس، يلف سروالا مغربيا ابيض مطرزا بنقوش خضراء: سروال الدخلة، وعليه اثار نقط دم جافة.
شمته المرأة، واطلقت زغرودة، فنبهتها ابنتها الى الاب الرابض في مكان غير بعيد، فتخلت الام عن رغبتها في الزغرودة، وانتهت المهمة الخطرة.
وفي تلك الليلة كان الاب ما يزال يفاوض الام عن سر الكولية، وهي تناور لابعاده عن السر الاحمر المهاجر عبر الطائرة من الخليج الى المحيط. وحين حكى لها عن منامته، تضاحكت وقالت له :
“انا تلك المرأة، وهذا هو…”
واستعملت غوايتها السحرية للتطويح به بعيدا عن الموضوع.
وكأن المؤسسة الزوجية مرهونة ببقعة دم حقيقية !؟
حيث يصبح شرف المرأة شرفاً للرجل الذي لا تكتمل رجولته وفحولته بهذه المؤسسة المبنية على عقد النكاح إلا به ..!؟
موضوع طويل وشائك ضمن مجتمع ذكوري تنقصه ثقافة الجنس ومعنى الشراكة الزوجية ..
أشكرك .
شكرا دينا على مرورك الطيب…اعطاب مجتمعنا كثيرة والابداع يحاول التقاط بعضها لتعريتها…مودتي
الكولية.. هذا الطَّرد البريديّ؟
حكاية رشيقة.. وممتعة بحق
فيها بساطة التعبير وبراعته
ومعنى التشويق.. والطرافة
وتحمل على ابتسامة رصينة
دون أن تخلو من عناصر
التهكم “والخبث”… والخديعة
والخاتمة هادفة ومدهشة معا
لا أتمنى لك عاما سعيدا فحسب؟
بل حياة سعيدة ونجاحا مستديماً
خالص مودتي… وأحلى أمنياتي
محبتي استاذي شهادتك قلادة ثمينة في عنقي وتحفيز على الاستمرار…اتمنى لك صحة جيدة وكل سنة وانت طيب….شكرا
اسلوب سردي مشوّق
فيه عمق رغم بساطة مفرداته
الموضوع هام يحارب الجهل
الشرف ليس برمز بقدر ما هو نهج حياة
كل المودة أستاذ عبد الجليل
مودتي اسراء على مرورك النبيل …الشرف حياة فعلا…