نداءآت الوحش

بواسطة | 17 أبريل 2018 | فنون و سينما | 0 تعليقات

(2016)A Monster Calls

الحكم الكامنة المعبرة وراء القصص التحريكية  المدمجة في سيناريو فيلم “مونستر كولز”(نداءآت الوحش)(2016):

دراما فانتازية سوداء، من اخراج “بايونا” وكتابة “باتريك نيس”، يتحدث عن فتى صغير (12 عاما)، تعاني امه من مرض خبيث قاتل، وتحت ضغط هواجسه ومخاوفه، يزوره في ليلة ما وحش شجري عملاق (الممثل نيسون)، الذي يعده بالعودة كل ليلة ليروي له ثلاث قصص ذات مغزى تباعا…وقد تم عرضه في مهرجان تورنتو السينمائي في العام 2016، وقد تلقى ثناء ايجابيا من النقاد الذين امتدحوا الثيمات ونمطية الاخراج الغريبة والأداء والمؤثرات البصرية.

تفاصيل الحبكة: يتوجب على الفتى “كونور اومالي” مواجهة مرض امه بالسرطان المزمن، والتعايش مع جدته الصارمة، ووالده المغترب، وكذلك الفتى المتنمر في مدرسته…وفي ليلة ما وتمام الساعة 12:07 صباحا يواجه فجأة “وحش شجري” هائل، يخبره بأنه سيروي له ثلاث قصص حقيقية (تحريكية)، فيما سيترتب على كونور ان يروي هو قصة رابعة شخصية تتعلق بسر كوابيسه الدائمة، وعليه ان يقبل ذلك صاغرا، ثم نرى كونور يعود مع الوحش لمواساة والدته المريضة في زيارة أخيرة والتي تفارق الحياة بنفس الوقت 12:07، ويعود بعد ذلك حزينا مع جدته التي تتعهد بالاهتمام به واعطائه غرفة خاصة في منزلها، فيجد هناك كتاب قديم لوالته المتوفاة، يحوي صورا فنية وسكتشات تكشف له الشخصيات التي تحدث عنها الوحش الشجري في روايته، كما يتضمن الكتاب رسما لوالدته كطفلة مع نفس الوحش.

القصة الاولى: يفقد ملك قديم كل افراد اسرته، ويحتفظ بحفيده الصغير، ثم يتزوج من امرأة شابة جميلة، ويموت قبل ان يبلغ الأمير الصغير سن الرشد، ويعتقد الجميع ان الزوجة هي من سممت الملك العجوز، لأنها لا تريد للمملكة أن تصبح في يد الأمير، فقد خططت بمكر ودهاء لكي تتزوج من الأمير لتصبح الملكة…ثم يهرب الأمير مع فتاة “مزرعة” فقيرة يقع في حبها، ثم يتوقفان ليناما تحت شجرة وحشية “مسحورة”، وفي الصباح يجد الأمير ان الفتاة الفقيرة قد قتلت…فيخبر القرويون بأن الملكة الساحرة قد فعلت ذلك بقصد، فيبادرون لاسقاطها، ثم يستيقظ الوحش ويتبع الجمهور الغاضب، وقبيل وصول الدهماء الغاضبين لقصر الملكة، يسارع الوحش بانقاذها وحملها لبلاد بعيدة، لتعيش بسلام في باقي أيامها، ونكتشف أنه على الرغم من كونها ساحرة، الا انها لم تقتل الفتاة الفقيرة الشابة، وانما قتلها الأمير حتى يؤجج غضب شعبه ويلهمه لاغتيال الملكة واعادة العرش له!

القصة الثانية: يتبع صيدلاني قديم (محضر وصفات دوائية شعبية) التقاليد العتيقة والاعتقادات باستخدام الأعشاب المتخمرة لمعالجة الأمراض، ولكنه يصبح أقل شعبية لأن كاهن القرية اخبر مواليه بعدم تقبل عقاقير ووسائل الصيدلي القديمة..ولكن عندما مرضت ابنتي الكاهن الصغيرتين، طلب الكاهن من الصيدلي انقاذ حياتهن بعد ان استنفذ كل الوسائل والموارد لانقاذهن بلا طائل…عندئذ يتساءل الصيدلي المنبوذ: لماذا عليه مساعدة الرجل الذي نفر الناس منه، وحذرهم من مهاراته ومنعه من الاقتراب من شجرة الشفاء القديمة، تلك التي تحتوي على اهم مكونات الشفاء الطبيعي؟ ولكن الكاهن الخبيث وعده باعطائه كامل الشجرة وبترويج عمله ومهارته بين القرويين، وبالرغم من ذلك أصر الصيدلي على عدم مساعدته، فماتت البنتان الصغيرتان…ثم استيقظ الوحش الشجري، وحطم منزل الكاهن وسواه بالأرض كعقاب: فبينما كان الصيدلي رجلا جشعا، لكنه بالمقابل كان يعالج الناس وينقذ حياتهم وحتى حياة ابنتي الكاهن لو سمح له بممارسة اسلوبه التقليدي في علاجهن، فيما كان الكاهن صاحب الايمان الظاهري مضطرا للتخلي عن ايمانه اذا ما وجده عائقا امامه، وفيما كانت أساليب علاج الصيدلي تتطلب الايمان لكي تنجح، وهكذا بدون ايمان وقناعة الكاهن، لم يكن بامكان الصيدلي علاجهن، لأن الايمان هو نصف العلاج تماما كايمان الكاهن المزيف الذي كان “نصف ايمان”!

القصة الثالثة: كان هناك رجل غير مرئي لأنه لم يشاهده احد…لكنه مل من حالته هذه، وتضافر مع الوحش لكي يلحظه الناس ويحسوا به، وقد نجح الوحش بلفت انتباههم لرؤية هذا الشخص “اللامرئي”، لكنهم بالمقابل فقد شاهدوا الان “كائنا” سحريا مفزعا، وتمنوا لو انهم لم يروه!

القصة الرابعة: يتوجب على الفتى “كونور” مواجهة كابوسه الثقيل المتواصل حتى يتمكن من سرد القصة الرابعة…حيث تسحب امه المريضة البائسة فجاة على حافة وادي سحيق، تكون من تصدع ارضي ماحق، ويضطر كونور لكي يمسك بيدها بقوة لمنعها من السقوط، ولكنه يفلت تدريجيا قوة قبضته الصغيرة، وتسقط امه لأعماق الجرف، ثم يجبره الوحش للاعتراف بأنه أفلت قبضته بقصد، وكان بامكانه ان يتماسك ويبقي قبضته لانقاذ امه، ولكنه فضل اخيرا ان يفلت يدها لايقاف الألم المترتب على شد قبضته باستمرا لانقاذ امه!

هكذا نتبصر الحكم الكامنة في هذه القصص المجازية التحريكية المدهشة، والتي توضح لنا المغزى وبأن الامور ليست دوما كما تبدو في ظواهرها السطحية، وأن التفسير الحقيقي يكمن بالتعمق في الخفايا “الغير ظاهرة” للعيان…ولقد نجح المخرج وكاتب السيناريو بالموازنة بين الثيمات السوداء والعناصر الفنتازية ودمجها معا ضمن السياق الفيلمي في تكامل معبر متماسك، وهو شريط متميز من نواحي التمثيل (كل من فيليستي جونز وسيجورني ويفر ولويس ماكدوجال بدور الفتى كونور) وكذلك المؤثرات التحريكية والصوت التعبيري الجهوري للممثل “ليام نيسون” الذي فاز بجائزة خاصة.

كتابات أخرى للكاتب

م. مهند النابلسي كاتب وباحث وناقد سينمائي جرىء وموضوعي وهو "اردني من أصل فلسطيني" وعضو رابطة الكتاب الاردنيين والاتحاد العربي لكتاب الانترنت. عمان – الاردن Mmman98@hotmail.com

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبلغني عبر البريد عند كتابة تعليقات جديدة.