فيلم سولاريس 2002

بواسطة | 4 أكتوبر 2018 | فنون و سينما | 2 تعليقات

نسخة جديدة “مثيرة للجدل” لتحفة تاركوفسكي الشهيرة(1972)

تخاطر نفسي واستنساخ فضائي وحنين أرضي وامكانية أن نحظى بفرصة ثانية للحياة…

التفاصيل الدقيقة المدهشة التي يتجاهلها معظم النقاد العرب والضرورية لفهم المضمون!

يتم ارسال عالم سيكلوجي”مضطرب” للبحث عن فريق محطة فضائية معزولة تدور حول كوكب منعزل، الفيلم من سيناريو وكتابة واخراج وتصوير ستيفن سودربيرغ(سينما المؤلف)، ومن بطولة جورج كلوني وناتاشا ماكهالون والريش توكور، ويستند لرواية خيال علمي كتبها البولوني “ستانيسل وليم” وسبق للعبقري السوفيتي “تاركوفسكي” أن اخرجها للسينما… يعكس الفيلم التخاطر”الدرامي-النفسي” في محطة الفضاء التائهة التي تدور حول كوكب يسمى”سولاريس”، ويستعرض بالمشاهد الاسترجاعية الخبرات القديمة للشخصيات وحياتها على كوكب الأرض…شخصية “كلوني” تكافح للاجابة عن السؤال المتعلق بمغزى رحلة”سولاريس”، كما انها تناقش قناعاته وذكرياته وتداعيات افكاره وما فقد بحياته وصولا لامكانية حصوله على فرصة اخرى بالحياة!

يطلب العالم “د.جيباريان” من صديقه السيكلوجي د.كريس (كلوني) الذهاب فورا لمعاينة حالة المحطة الفضائية ولتقصي أسباب ظاهرة غير ممفهومة تحدث فيها، ولكنه يستنكف عن الادلاء بتفاصيل أكثر، كما يلاحظ ان رواد المحطة التابعين لمؤسسة عالمية تدير المحطة تدعى “ديبا” لا يرغبون بالعودة للأرض، علما بأن “ديبا”           قد فقدت ايضا اتصالها مع فريق الحراسة المرسل حديثا للمحطة. يوافق دكتور كيلفين للذهاب منفردا لسولاريس كمحاولة اخيرة لانقاذ المحطة واعادة الرواد بآمان للأرض، وفور وصوله يعلم بأن صديقه “جيباريان” قد اقدم على الانتحار، وبأن معظم الرواد قد قتلوا او اختفوا بظروف غامضة غريبة، كما يلاحظ تردد العالمين المتبقين على قيد الحياة وهما سنووود و جوردون(وهي قائدة المركبة) لشرح تفاصيل ما حدث!

يحلم كليفين بمقصورته بزوجته المتوفاة “ريا” مسترجعا ذكريات لقاؤهما واللحظات الرومانسية، ثم يستيقظ مضطربا ومرعوبا ليجد “ريا” حية بجانب سريره، فيقودها لكبسولة النجاة ويطلقها ثانية للفضاء، ثم يطلع خفايا فعلته لسنوو، ويتفاجىء بمعرفة أن كافة زوجات ورفيقات الطاقم الفضائي قد اختفين كلهن بصورة غامضة أيضا، وتعود زوجته “ريا” للظهور ثانية فيسمح لها بالبقاء، وتعترف بأنها لا تحمل مشاغر انسانية وانما ذكريات “اصطناعية-مفبركة”، وتفتقد ذاكرتها تماما للذكريات الحميمة والعواطف البشرية!

ثم يجتمع الأربعة معا: “كليفن،ريا، سنوو وجوردون” لمناقشة الوضع المستجد، فتخبر جوردون ريا بما فعل كيلفين بمثيلتها السابقة، فتغادر ريا الاجتماع منزعجة، ويقوم كيلفين بمواجهة جوردون التي تلومه كثيرا بدورها لتورطه العاطفي “الغير مقبول” مع كائن “لا انساني” قد يشكل تهديدا للوجود البشري!

متاهة فضائية تناقش فلسفة الحياة والموت والشعور بالذنب!

ولاحقا خلال الفيلم نرى كيلفين يستجوب مثيل” العالم جيباريان” حول جدوى رحلة السولاريس هذه وملابسات ما حدث خلالها، ولكن هذا الأخير يجيبه بأنه لا توجد اجوبة وانما خيارات فقط، ثم يستيقظ كيلفين من حلمه ليجد ريا وقد أقدمت على الانتحار بواسطة تناولها لاكسجين سائل، ويقوم بتحنيطها والحفاظ على جثتها امام سنوو وجوردون، وتكشف له جوردون بأن ريا كانت تملك جهازا خاصا بامكانه تحطيم المثيل نهائيا واستبعاد فكرة عودته للحياة نهائيا، ولكن كريس يرفض فكرة استخدامه على “ريا”، ثم يبدأ بتناول عقار كيماوي خاص ليبقيه صاحيا لمراقبة ريا، ولكنه يسقط تدريجيا بالنوم، حيث تحاول ريا التقرب من جوردون التي لا تتردد بتحطيمها نهائيا بالجهاز الذي تملكه، ويواجه كيلفين جوردون بغضب حيث تؤكد له أنها فعلت ذلك للحفاظ على وجودهما البشري من خطر “المثيلة” المدمر، ويكتشف الاثنان جسم سنوو متواجدا بأنابيب التهوية فيما يبدو وكأنه تفاعل مع مثيله الانساني قبل “مقتله الافتراضي”…ويعترف لهم بأنه مجرد”مثيل” وبأنه هوجم بواسطة مخلوق غامض، وبأنه “مثل” سنوو الحقيقي اثناء استبساله بالدفاع عن نفسه… كما يفيدهم بأن تكرار استخدام جهاز “الابادة” قد قلل تلقائيا من قدرة مفاعل الطاقة، جاعلا من المستحيل تحقيق امكانية عودة المحطة للأرض ثانية، كما حذرهم من أن “سولاريس” قد تضخمت كتلتها بشكل هائل (بفضل استخدام نفس الآلة)مما سيعني انها ستنجذب باتجاه الكوكب الغامض، وأفادهم بشرح آلية عمل “آلة هيجيز” لتي تعمل على شحن البوزونات وهي المادة المضادة، وبذا تنجح بابادة واخفاء المثيل نهائيا. يحاول عندئذ “كليفين وجوردون” تجهيز مركبة فضائية صغيرة تدعى “أثينا” للنجاة بأنفسهم والعودة للأرض، ونرى كيلفين وهو يركز قدراته وخبراته ليتمكنا من العودة سالمين للأرض، مستنتجا بأن سبب رغبة ريا بالموت تكمن ربما “بتذكرها لأخطائها وطغيان شعورها بالذنب والندم”.

ثم نراه لاحقا بمشهد ارضي غامض وهو يجرح اصبعه بالخطأ أثناء تقطيعه للخضار بالمطبخ، ويلاحظ أن جرحه قد تعافى تلقائيا تماما كما حدث لمثيل “ريا” ذات مرة! عندئذ تظهر ريا فجأة للمرة الثالثة لتخبره بحماس وتفاؤل بأنه قد تم تطوير “تجليات الحياة والموت”، وبأنه تم نسيان كل ما فعلوه سابقا… وتفسر له بأنه و”جوردون” لم يغادرا أصلا المحطة الفضائية وبأنهما سيحظيان ثانية بفرصة للحياة سويا لأنهما نالا الصفح عما ارتكباه من أخطاء وذنوب، ونرى عناقهما الحميم، ودموع تنهمر ووجه مشرق بابتسامة ذات مغزى، وينتهي الفيلم بشكل غامض مثيرا التساؤلات!

من أجواء وحوارات الفيلم:

خيال “علمي- فلسفي” ورومانسية غريبة وحزن “ميتافيزيقي” غامض!

الفيلم هو اعادة شاعرية لتحفة أندريه تارتوفيسكي* التي اخرجها بالعام 1972، وهو مزيج من الخيال العلمي المفعم بالفلسفة، مع المزيد من الايجاز والرومانسية، منتهيا بحزن “ميتافيزيقي” يدعو للتأمل! الفيلم أكثر تشتتا وغموضا وأقل فلسفة من عمل تارتوفيسكي الأصلي، والكيمياء باهتة (وربما مقصودة) بين كلوني وماكالهون، ولكنه بالرغم من ذلك فهو ممتع وشيق ويثير الفضول وينغرس بالذاكرة…

نرى دوما مشهدا رائعا للمحطة تسبح بالفضاء، كما نعلم عن نظام ذكاء صناعي معطل  وعن استنفاذ خلايا الوقود بمفاعل المركبة، وعن ضعف متزايد للمحركات التوربينية، وعن تضخم حقل هيغز بفضل “بوزونات المادة المضادة”…لا يحتوي الفيلم على الكثير من المؤثرات الخاصة والأحداث والأكشن التي توضح بجلاء كل ما يحدث، وانما تتم معظم المشاهد داخل المحطة ومع الكثير من الحوار والتأمل والتفكير ونوبات الهوس والحلم والأرق والوسواس القهري، ثم القتل والانتحار ومحاولات الهروب:

*نقلع نحو الكون: حيث العزلة-المشقة-الارهاق-الموت!

*لا اريد عوالم اخرى بل مرايا!

*ليست هناك سيادة على الموت!

*معك حيث نسكن…شقتنا مظلمة جدا، فلا لوحات ولا صور!

*نحن البشر الوحيدون المدركون لفنائنا…لن تكون للموت هيمنة بعد الآن!

*الأرض بدت غريبة بالنسبة لي …كم مضى على غيابي وعلى عودتي؟

*كنت مخطئا بخصوص كل شيئ!

*يكاد ينهار ويجن لمشاهد الطفل الصغير “الغير حقيقي” وهو يسعى لانقاذه مادا له يد العون بلا طائل!

*تناديه زوجته وهو بالمطبخ، يذهب لمصدر الصوت مذهولا: ماذا؟ هل انا حي ام ميت؟

*لم نعد بحاجة للتفكير في ذلك: فقد نلنا الصفح عن كل ما اقترفناه!

مهند النابلسي: كاتب وناقد سينمائي…

هامش*:

يقول تاركوفسكي في حديثه عن افلامه “أنا أتابع الفكرة بشكل لاواعي أو لاشعوري. بكلمة أخرى، إنها كما لو أنني كنت أروي قصة نفس الشخصية في كل مرة : قصة انسان يعتبره المجتمع ضعيفاً، فيما أعتبره أنا قوي”. وذلك يؤكد أنه لا يهتم بالحكاية وتفاصيل الشخصية.

يقول “أنه عندما نصبح واعين بممثل ما، أو بمعني ما بأي فنان أخر، بوصفه وسيطا، فالتأمل يصبح مستوي ثانوي، وتنعدم خبرة الملتقي بالعمل، فهناك وسيط يمثل مركزية يسيطر علي المشاهدين، حيث يكون الاندهاش الحقيقي من العمل بدون حضور الفنانين الطاغي، حيث لا يعرضون انفسهم”، ودورهم يتمثل وفقا لجادامر في استحضار العمل وتماسكه الباطني  في نوع من الوضوح الذاتي غير المتكلف.

وتاركوفسي خلال افلامه لم يتجه نحو التكلف والمغالاة في التصوير، ويقول عن افلامه ” أحب أن أغير طريقة أفلامي ولا أدري كيف. سيكون ذلك رائعاً، أن تصور فيلم بحرية تامة، تماماً مثل الهواة حين يعملون أفلامهم. نبذ الميزانية الباهضة. أحب أن تكن لدي الأمكانية لمراقبة وملاحظة الطبيعة والناس بعناية، وأن أصورهم دون عجالة”، ويأتي ذلك تماشياً  مع موقفه من سرد القصة، وعدم أهميتها في الفيلم،وايضا دور البطل والشخصيات في الفيلم، فالقصة لديه تخلق وتأتي من خلال ملاحظاته وافكاره، وليس هي الاساس الذي ينطلق منه رؤيته وفيلمه، وذلك يؤكد أنه لا يسعي لفيلم تقليدي وسينما معتادة، ولكنه يجتهد نحو تجلي الجميل الدائم في الصورة وفي المشهد، يشعر المشاهد ان هناك المزيد والمزيد ينتظره.

[ratings]

م. مهند النابلسي كاتب وباحث وناقد سينمائي جرىء وموضوعي وهو "اردني من أصل فلسطيني" وعضو رابطة الكتاب الاردنيين والاتحاد العربي لكتاب الانترنت. عمان – الاردن Mmman98@hotmail.com

2 التعليقات

  1. مهند النابلسي

    أما هنا فاتطرق لفيلم خيال علمي فلسفي عميق من الطراز الأول وقد أثار في حينه الجدل والتساؤل…وعجبي للمرة الثالثة ايضا ولست أشكي او أبكي او اتذمر ولكني اتعجب حقا من نرجسية مثقفينا اللذين يكتبون كلمتين في الأدب والشعر ويذوبون هياما بما كتبوا ولا يقرأوون الا التعليقات على كتاباتهم…فيا لبؤس مثقفينا وأنا على رأسهم وفي مقدمتهم وما حدش يعتب علي رجاء فأنا راجل مسكين ومستكين وما ليش دعوى وماشي دغري كمان!

    الرد
  2. مهند النابلسي

    ولكني لن أيأس ابدا وسأدور على باقي المقالات لاتقصى الردود ان وجدث…فالمثقف يفضل ان يكون صاحب رسالة توعوية فهذا دوره!

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبلغني عبر البريد عند كتابة تعليقات جديدة.