محرابي الأخير

بواسطة | 20 يناير 2018 | مقالات | 3 تعليقات

رسالة الأماني والأمل التي توقعتها وصلتني هذا الصباح. حطَّت برفق فراشة علي يدي، مع إطلالة شمس تنير الأرض وتنعش قلبي من جديد. كل رسائلك لطالما انتظرتها بنهم الأطفال الرضع إلى أثدء الأمهات؛ وما لمسته أناملي لم يكن ورقة انتظرتها بصبر يلامس الاحتراق، ولا قلما خطَّ حروفها المكتوبة وحركاتها المسكونة في عمق الكلمات، بل تخفق حناياها بآلاف المعاني وتنطوي صفحتها على فسيفساء من الزمن القديم وآلهة الإغريق، محفورة في صفاء قلبك على امتداد الزمن، وأنفاسك الحرى تشعل خيالي نارا لا تنطفىء أو تتحول إلى رماد، وعطر عرقك ينساب كالمخدر إلى روحي وجسمي أطيب من عطر الياسمين.. فليس غيري في النساء من يغريها وتعشق عرق حبيبها حتى ثمالة الأشياء..!؟

ها أنا أراك من آلآف الفراسخ تخط رسالتك بأناملك الرقيقة وتطويها، فينطوي قلبي على الآهة الحرى ويذبل في غيابك، فأغدو كآخر منازل القمر لا يكتمل إلا بعودتك بدرا من وراء الجبال، حينما ينساب اسمي كساقية جذلى من شفتيك الشهيتين القرمزيتين، الآتيتين في صباحات باردة  تحملها ريح  الشمال. شفتاك أشهى من طعم العنب بنكهة البخور أو عسل النحل يجنيه من الزعتر وزهر البرتقال.حينما فتحت رسالتك هالني عذاب روح أضناها البعاد، وجرفني نهر دافق لم تروِ مياهه الغزيرة قلبي المشتاق. غير أنني رأيت نقطة في متن الرسالة، كأنها دمعة تختصر معاني اللهفة والحنين، ونبض قلم يحكي بالفواصل والسكون أحلى تباريح الهيام.

النقطة وخزة حب أضناه ليل الصحراء، ولم يدرك سرها الشوك.. ولا البلسم  يعرف حقيقة الأشياء، لتلهج النفس بآلام عشق لا يهدأ ولا يستكين، وآخر تنهيدة واستغاثة حنين سمعتها ورأسي على صدرك وبين خافقيك. تلك لحظة نادرة في الزمن حيث يضيع فيها الفكر، ولا يرى سوى وجه غاب في عتم الليالي، وانتظار أطول مما يخطر في بال اللهفة والحرمان.

طيف قبلة  كانت تلوح من البعيد يتعالى معها وجيب قلبي، وتتفاعل الروح مع الروح، وتحطَّ الشفاه على الشفاه ولا تنتهي القبلة إلا في الزمن السحيق، وغياب روحي عن كل الوجود. ونقطة الباء في مستهل الرسالة دائرة نور وحب وسكون، وضمة  تنتظر حضن عاشق ومعبود. كانت النقطة تسألني سر المعاني  في خمر الوجود… ليبقى في سحر الكلام ما يستحيل على الإدراك وقدرة اللسان على البوح والتعبير.

يا سر قلبي بين القلوب يا ذلك الوجه بين ملايين الوجوه، حينما تعالت الأنفاس واتحد الجسد بالروح. إنه وجه الذي أحببت.. والروح التي امتزجت بدمائي وخالطت لحمي وعروقي وعظامي، واستقرت في فضاءات نفس بلا حدود، تبعث خواطرها في فكري ويسلب طيفها الكرى من أجفان عيوني، فتبعدني عن نوم كنت أشتهيه، توقد نارها بين جوانحي والضلوع وتموج شمسها وتضطرم، فلا  أحصد إلا دخانا يتلاشى ويضمحل مع الريح، حيث ترفرف أجنحة من النور في فضاء  رب العالمين

هل أناديه عيسى..؟ يا لنبوءة الرسل ممن لا يموتون، يا لقدرة عيسى يحيي القلوب أول ما يحيي، أم أناديه وجه القمر وما خلق الله القدير؟ يبث أنواره على قلبي وشعاعه يبعث الأمل في نفسي بعد الموات، أم أناديه نعمة العطر خرجت من أطيب زهر في فردوس الجنان، أتنسم طيبه فينسكب عافية على جسمي، وينفذ إلى أعماقي يبعثر لمسات أشواق طال انتظارها على الخصر والجيد ؟

أم أناديه آدم ولا أحسب الله خلق غيره من الرجال على الأرض، وأنبته وحده مخلوقا من الرقة والعطف من بين الضلوع ؟ أم أناديه الساحر لسطوته وقدرته عليّ، وبناء نواميس الحب في كياني كقدرة الإله على الخلق،  وإبداع قوانينه في هذا الكون العجيب؟ أم ألجأ إلى زنديه محرابي الأخير ؟ أم أناديه أنت..؟ يا أنت مالي سواك في هذا الوجود.

إيناس ثابت - اليمن

3 التعليقات

  1. إبراهيم يوسف

    إيناس ثابت

    “إنت وأنا عم يسألونا كيف ؟
    منضل شو بيحلالنا نغني
    ما بيلتقى مرات عنا رغيف
    ومنعيش بأطيب من الجنة

    ميشال طراد

    أحد الأصدقاء القدامى من زمن الشباب. كان رومنسيا ومُنَظِّرا مغاليا في رومنسيته، أحب فتاة لا تقل عنه في رومنسيتها وتعمل إلى جانبه في ذات المؤسسة. أمضيا معا أحلاما مغرقة في سعادتها، فلم يشعرا بوطأة الحرب الأهلية، والشركة التي كانا يعملان فيها تعثرت أحوالها قبل أن تسقط، بسبب أزمة مالية فرضتها طبيعة الحرب، ونالت من مختلف المصالح العامة، والمؤسسات التجارية في البلاد.

    هكذا أقفلت الشركة أبوابها وصرفت موظيفها مع تعويضات هزيلة. ومع مرور الوقت والبطالة وشح المدخول، ابتدأ ينحسرُ ويتداعى حديث الرومنسية بين الحبيبين، إلى أن توقف نهائيا وانفصلا إلى غير رجعة. تجاوزتِ الفتاة متاعبها وتزوجت، وأما حبيبها فما زال حتى اليوم، يعيش على الرومنسية وذكريات الحب كما الروح القدس دون أن تضج عليه معدته تطالبه، عملا ب réciproque قول السيد المسيح: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..! عيوني يا أنوس.

    https://www.youtube.com/watch?v=RUKvyS0dqCY

    الرد
  2. إبراهيم يوسف

    وأنتِ هنا من جديد:

    إيناس تصفو من كدر الدنيا، حينما تتأمل وجه بحيرة تجلس على شاطئها، وتتوه كما الغيمة الشاردة في تفكير عميق. تلهو بحصى بين يديها، تلقيها في الماء الساكن ليتحرك ويتحول إلى خفقات ودوائر تتواصل متقاربة ثم تبتعد وتتلاشي شيئا فشيئا، قبل أن تختفي على أطراف البحيرة، وهي تتوسل أقدام أميرة الرومنسية.. والتعليقات الجميلة.

    الرد
  3. إيناس ثابت

    صديقي الغالي

    قلبك أغلى من الذهب
    وأحلى من شهد العسل
    وأصفى من قطر الندى

    لو يملك الناس قلبا كقلبك وروحا كروحك لكانت الدنيا بألف خير. لمست نوايا قلبك الطاهرة وأعرفها جيدا، وأغبط نفسي كلما قرأت تعقيبا كتبته لي.

    الحب الصادق والحقيقي أن يمضيا في الحياة معا..في الرخاء والشدة.. يدا بيد وخفقة قلب تضم قلب.

    تلميذتك مؤمنة بالحب وقوته..ولن تغير إيمانها، فهو الشفاء والكمال، هو الحياة الأبدية وسر التغيير والمعجزات..وهو الجنة.
    ومن خلا قلبه من الحب أو لم يقدسه..؟ فهو ليس إلا كومة من تراب.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبلغني عبر البريد عند كتابة تعليقات جديدة.