في ذكرى الشاعر الكبير
سميح القاسم
1939-2014
بقلم: شهربان معدي
على سَفْحِ جَبَلِ حيدر حَمَلَ شابٌ صغيرٌ فَأسَهُ على كَتِفهِ وانطْلَقَ يرمَحُ كالغزالِ، قَبَضَ على حَفْنَةٍ تُرابٍ.. ذَرَّها في الفضاءِ الرّحب.. بين أنامِلِهِ الحرير انْصَهَرت.. لتتَحوّلَ لمداد من ذهب! وتحوّلت فَأسُهُ القويّة ليراعٍ يُزَمجُرُ على الورق! وهناك..؟ وُلِدًت أوّلُ قصيدةٍ، لتحفُرَ في وجدانِ كُلَّ من قَرَأها غابةَ كرامةٍ وشَجَرةَ زيتونِ..
منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي
في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي
وأنا أمشي وأنا أمشي..
قلبي قمر أحمر قلبي بستان.. فيه.. فيه العوسج فيه الريحان
شفتاي سماء تمطر نارا حينا.. حبًا أحيان
في كفي قصفة زيتون وعلى كتفي نعشي.. وأنا أمشي وأنا أمشي
كلماتُهُ المضيئةُ المشتعلة انْدَفَعت كنهرِ هادرٍ، كان هو مَنْبَعهُ وَمَصبّهُ، مياهَهُ ومَجْراهُ، أضاءَت في جَرَيانِهِ حُلُمًا بعيدًا يُنادي بالسّلام العالميّ وحبَّ الوطنِ وعدمِ انتهاكِ حقوقِ الإنسانِ!
ارتجلَ الفارسُ.. أسْرَجَ حِصانَهُ وانطَلَقَ كالسّهم، تَسلَّقَ جبالَ الجرمقِ وجَعَلَ بَرْقوقَه َوزعْتَرَه يرتّلا مَعَهُ القَصائدُ، مرّ بزيتونِ الجليلٍ فرتّل من أجلهِ القصائدَ.. صَعَد لمرتفعاتٍ الجولانِ.. فَازهَرَت مع تُفّاحِهٍ القصائدَ.. انَّحَدَر إلى جبالِ الكرملِ فرتّلت مَعَ سنديانِه وريحانِهِ..؟ القصائدَ.. عَرّج على بيّاراتِ يافا فَرَتّلَ ليمونُها وبرتُقالُها برفقتِهِ القصائدَ، تَوَجّه نَحوَ عسقلان بَكى مع أَطفالِها وشيوخٍها ورتّلَت مَعهُ القصائدُ.. أُرقُدُ بسلامٍ أيّها الكبيرُ الذي جَعَلتَ وطنًا بأكملِهٍ يرتّلُ معكَ القصائدَ.
قصائِدُكَ الإنسانيّةُ الثّوريةُ والوجدانيّةُ، وُلِدَت من حَبّة مَطرٍ سَقَطَت على أرضِنا اليَباب! من دمعةِ شيّخٍ يَبتَهلُ لله، من صلاةِ أُمِ رَفَعت يَديْها للسّماءٍ، من نُقطةِ عَرَقٍ انسابَتْ على جبينِ فلاّحٍ وجُبلت مع التّرابِ الاسمرِ..
وداعًا يا فارسَ الكلمةِ وسيّدَ الأبجديّةِ! أنتَ لم تأتِ إلينا باختراعٍ مذهلٍ أو اكتشافٍ مثيرٍ ولكنّك نَثَرتَ عَلَيْنا وصفةً سحريّةً، ذوَّتْت فينا حُبَّ الأرضٍ والوطنٍ والعودةٍ للجذور!
وداعًا يا من علّمتَنا أنَّ الوطن ليسَ مسكنًا بل هو روحًا وانتماءً.. الوطنُ الذي حَمَلْتَهُ طفلاً بين يَدَيْكَ؛ كَبُرتَ وكبُرَ معكَ! لطالما مَسَدْتَ لَهُ شَعْرَهُ، لطالما ربّتَ على كتفِهِ؛ لطالما اجّلَسْتهُ على رُكبتيْكَ، دَلّلْتَه وَهَدْهدتَ لهُ، لطالما ضَمّدتَ جراحَهُ بعبقِ حروفكَ المُعطّرةٍ بالميرميّة والفيّجنّ ومَسَحتَ بمنديلكَ النديّ دموعهُ الغاليةَ! لمن تَركتَ الوطنَ يتيمًا يا أبا الوطن!؟ هذا الوطنُ الجريحُ الذي هو بأمسّ الحاجةِ لكَ.. لو بكيّنا عليه دمًا لما استوفيْناه حقُّهُ! وداعًا أيها المعلّمُ الكبيرُ.. وداعًا يا أبا وطنٍ.. يا رَجلُاً عاشَ محمومًا بِعشقِ الوطنِ وماتَ محمومًا بعشقِ الوطنِ..
أحكي للعالم..
كلمات: سميح القاسم
غناء: ريم البنا
أحكي للعالم أحكي له
عن بيت كسروا قنديله
عن فأس قتلت زنبقة
وحريق أوْدى بجديل
أحكي عن شاة لم تحلب
عن عجنة أم ما خبزت
عن سقف طينيّ أعشب
أحكي للعالم أحكي له
يا بنت الجار المنسية
الدمية عندي محمية
الدمية عندي فتعالي
في باص الريح الشرقية
حنا لا اذكر قسماتك
لكني اشقى كي اذكر
في قلبي خفقة خطواتك
عصفور يدرج او ينقر
كنّا ما اجمل ما كنا
يا بنت الجار و يا حنا
كنا فلماذا اعيننا
صارت بالغربة مجبولة
ولماذا صارت ايدينا
بحبال اللعنة مجدولة
أحكي للعالم أحكي له
عن بيت كسروا قنديله
عن فأس قتلت زنبقة
و حريق أوْدى بجديلة..
قراءة عاشقة في شخصية إبداعية مميزة. …فارس الكلمة النبيلة سميح القاسم. …الذي زرع في أرواحنا الصغيرة ونحن في ريعان الشباب بذرة النضال عبر النشيد الجمالي الرائع :منتصب القامة. ..نشيد الكرامة والعزة والصمود. …قصيدة غناها مارسيل خليفة وحفظناها معه وجعلناها نشيدنا في كل المناسبات. …لم نستطع تحرير فلسطين ولكننا حررنا أنفسنا من أشكال الظلم ونحن نصرخ :منتصب القامة امشي مرفوع الهامة امشي. …شكرا أستاذة على هذا المقال الرائع. …مودتي. ..
هي عفوية من يهوى الكتابة في البدايات، حيث تلتهب وتتعالى فيها عواطف المحبين، لشعرائهم وأرضهم وتراثهم وتاريخهم وكل ما يلامس وجيب قلوبهم.
لكن الغزالة الخائفة المترددة أن يخون الجري قوائمها الرشيقة، ستتجاوز الغابة من أولها إلى آخرها، بسرعة تفوق معرفتها بنفسها وقدرتها.
بل الشكر الموصول لحضرتك
الأستاذ عبد الجليل لعميري
درويش وسميح..؟
هما امتداد الأرض فينا..
هما سنابل القمح
وعطر الليمون
وزيت الزيتون الصافي
الذي نسغه يجري في عروقنا..
من خيرات الجليل الأخضر..
رحل الشاعران..؟
ورحل الآلاف قبلهما وبعدهما..
ولم تُحرر فلسطين..
ولكن يكفي أن القاسم..
حرّر فينا هذا الإنسان المهزوم المخذول..
المُحمّل بالهموم والخيبات..
كلما سمعنا نشيده الثوري؛ منتصب القامة
أشكرك من صميم قلبي
أُستاذي الكريم
على اهتمامك وتعقيبك الثريّ
على مقالتي العفوية الوجدانية..
التي عكست حالة عشناها نحن من عرفنا
سميح عن قرب..
وترعرعنا على أشعاره الثورية التي تحمل
كل رموز الكرامة والعزّة والصمود.
من عمر حياته بالنور
وترك أثرا طيبا في النفوس
تظل ذكراه العطرة خالدة
شكرا لك شهربان العزيزة..ولكل ما تكتبين
معلمي وتاج راسي
الأديب ابراهيم يوسف
كيف حالك أستاذي..؟
وكيف حال الشوارع عندكم
والبيوت وعتبات الدار…
كيف هواء بيروت..؟
وزقاقات بيروت…
وهل تصلكم رائحة البحر؟
كما تصلنا…
هل عندكم اليمام والحساسين
توقظ أشخاصا مثلنا…
لا يعرفون لذة النوم…
ما داموا يشعرون بعضا من هموم الناس.
هل عندكم أسرٌ تتمنى لقمة طيبة…
وأسرٌ ترمي نصف المائدة للقطط الضالة…
هل أسرك مثلي هواء بيروت/الجليل…
هل أسرك الزيتون والتين والبرتقال
وبيوت حجرية اعشوشبت سطوحها…
أنا ابنة هذه الأرض..؟
أرض الجليل
نهلت من اجران سواقيها…
تغذيت من زعترها وعصارة زيتها…
وشهد عنبها…
زينت شعري…
بقلائد زهرة الذهب.
قطفتها يدي الصغيرة من مروجها…
في طفولة بريئة…
لم يحظ بها أولادي ولن يحظى بها أحفادي…
أولاد التكنولوجيا الحديثة
التي حولتهم لروبوتات
تحركها خيوط الشبكة العنكبوتية…
يا أستاذي ومعلمي…
مازلت اتجول بتلك البراري.
يرافقني ابني الصغير
وكم من مرة تمنيتك أن تكون معي…
نجوب تلك البراري العذراء…
لتشاركني فرحة القندول والزيتون وشقائق النعمان..
ولحظات سقوط الشمس
في بحر عكا…
علمتني أمي أن لا أخاف الأخطاء
وكنت إن أخطأت في أمر ما..؟
تبتسم لي وتربّت عى ظهري وتقول:
“لا عليك يا ابنتي..
الفرس في ميدانها تعثر..”
وكانت حريصة بأن لا أشعر بالذنب
وأن ما أخطأت به ليس نهاية العالم.
وهكذا نصي عن الراحل سميح القاسم
الذي كتبته بحماس شابة في الثمانينات…
شغفت بأشعاره ورسالته
أعذرني يا مُعلمي الكبير
وتاج راسي
على عفويته وهفواته
لأنني متأكدة أن صوت الوطنية فيه..؟
وحضور فلسطين الغالية
هو الحضور الطاغي في مقالتي.
لا يوجد شيء عندي أهديه لك
سوى قلب صافٍ أبيضٍ
يحب كل الناس
ويصبو لصداقتك ومودتك
فتسامح هفواتي وأخطائي
“من عمر حياته بالنور
وترك أثرا طيبا في النفوس
تظل ذكراه العطرة خالدة”
وأنت يا صديقتي الغالية
عمرتي نصوصي بالمودة والإحترام والتقدير..
وهذا أكثر ما يُشجعني ويحفزني على الإستمرار
بالكتابة والعطاء من روحي ووجداني..
يُشرفني حضورك الراقي الدافيء..
في كل نصوصي
ودمت لي يا أختي.
أعزّ الصديقات
رغم بُعد المسافات..
واستحالة اللقاء..
ولكن أنت دومًا في قلبي..
وأتمنى أن لا يوآخذني اخوتي القرّاء
عن محبتي الكبيرة لأرض الجليل..
لأنه سياحسبنا التاريخ يومًا..
إن لم نكتب عن مهد الإنبياء..
عن أرض الجليل..
https://youtu.be/EX1QbfmmrhQ