والدي العزيز، والدتي العزيزة؛ اختي ياسمين، أختي حلا، أختي ورد، أخي الصغير فادي، ها أنا هي أختكم رابعة، أكتب إليكم، أختكم رابعة التي رحلت عنكم قبل حفنة أعوام، أما زلتم تذكروني؟ أنا اختكم رابعة..! البنت الرابعة الكثيرة الغلبة الكستنائية الشعر التي غرقت في بحيرة طبريا، هل تذكرتم الآن؟ أم أن هموم الحياة وأعباءها جعلتكم تنسون حتى ملامحي!؟ انا لا ألومكم لأنه مرّ كثير من الوقت..
ولكن هذا الاسبوع انضمت إلى سمائنا طفلة جديدة تدعى صفاء، أصفى من دمعة في عين، أحزننا جميعا موتها الآسي، حينما دهستها مركبة أثناء عودتها من عيد ميلاد صديقتها القريبة رابعة.. رابعة..؟ سألتها للمرة بعد الألف، أهنالك أناس ما زالوا يطلقون اسم رابعة على بناتهم..!
إنه اسم أجوف فارغ لا يرمز إلاّ أن بنتًا رابعة انضمت للعائلة.. لطالما حسدّت أخواتي على ألقابهن الجميلة، ولكن الخبر المثير الذي حملته لي القادمة الجديدة والذي أشعرني بأشعة ملوْنة تحملني إلى روافد طفولتي القصيرة، بعد أن يبس الثرى بيننا أعوامًا كثيرة ودفعني أن أخط لكم هذه الرسالة وقد أخبرتني أن صديقتها رابعة سميت بهذا الاسم تخليدًا لخالتها رابعة التي غرقت في بحيرة طبرية..
هكذا إذاً..! ما زلتم تذكرونني يا أهلي وأطلقتم اسمي على حفيدتكم الأولى.. يا ألله.. يا إلهي.. يا عظيم.. ما أكبر شأنك وما أصغر الدنيا بأهلها.. وأخبرتني أيضا أن جدتها وجدّها قلّداها في عيد ميلادها سوارًا ذهبيًا جميلاً، وأوصياها بأن تحافظ عليه لأنه كان ملكا لفقيدتهما الغالية رابعة..!
ولكن هذه الاخبار..؟ رغم حلاوتها ايقظت بي صورًا مؤلمه ما زالت تزدحم في رأسي وتدفعني أن انبش ادق التفاصيل لكي اعرف كنه هذا المصير البائس الذي استنفد زيت عمري القليل بهذه السرعة، انا وباقي الاطفال الذين قضوا مثلي في ظروف مأساويه، وذبل عيشهم النضر، وسُلِبوا ثوب طفولتهم القشيب.
رغم أنني هنا سعيدة حرة طليقة كالهواء وتتأرجح حولي آلآف النجوم الصغيرة، كانوا أطفالا صغارا مثلي، قد رحبتْ بهم السماء بعد أن ضاقت بهم الأرض..
كلنا هنا نشعر بالأمان، لا يفرقنا دين أو لون أو عرق أو وطن، تجمعنا لغة واحده وهي لغة الاطفال، تحمل قلوبنا البريئه ذات الأحلام الوردية والأماني الخضّراء..
على يميني طفلة صغيرة اسمها ميرا، جميلة كالدمية، تقول إنها من بلاد بعيدة؛ قضت نحبها بعد أن نسيها والدها في السيارة، مدة ست ساعات متواصلة وذهب للعمل، وعندما عاد..؟ وجد صفحتها قد طويت..! .. وعلى شمالي طفل اسمه رازي شهي كتمر الشام، موته كان أحْمَرَ، بعد ان اخترقت صدره الصغير رصاصة أردته قتيلا.
وبجانبه طفل بهي الطلعة، يدعى ماجدَ لا يذكر كيف سقط في بئر في الحي، الذي يقطنه بعد أن أهملت تغطيته بشكل آمن، وانتشل جثة هامدة.
وعلى مقربة منه تحلق نجمة اسمها ندى أعذب من نقطة ندى في فم الصباح، لا تعرف كيف التهمت النيران الأخضر واليابس في بيتهم الصغير و.. وهي تفتقد كثيرا أخاها الصغير، وقلقة جدا على مصيره.
أنا لا أشير بإصبع الاتهام إليكم أيها الكبار، ولا أقارنكم بحطابي الليل لأنكم في كل الأحوال تدّعون أن هذا قدرنا وقسمتنا! وأن المكتوب ما منه مهروب..!
وتعتقدون خطأً أننا الصغار لا نفقه شيئا.. ولكننا نحن الصغار نفقه كل شيء لأننا نرى الاشياء بعيون قلوبنا وليس من خلال طقوس واهنة تخدم مصالحكم الآنية.
أتذكر عندما قضت جدتي نحبها، قالت حينها إحدى القريبات؛ عمر الإنسان يضاهي فقاعة صابون سرعان ما تطفو على وجه البسيطة حتى تندثر في أسْرَعَ من انقلاب الكف وارتداد الطرف.. كفقاعة الصابون تماما!!
ما أقسى هذه الحياة! عمر جدتي الذي امتد سنوات كثيرة؛ يساوي فقاعة صابون، إذاً..؟ كم يضاهي عمرنا نحن الأطفال الصغار، الذين حظينا بسنوات قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.
لن أنسى قط المشادّة الكلامية التى اشتعلت بين والدي الذي كنت أعبده بصمت، ووالدتي الحامل بشهورها الأولى. كان يتذمر من غلاء المعيشة وقلة الموارد، وكانت جدتي المرحومة عندنا حيث هدأت من روعه وقالت؛ إن الله لا يتخلى عن خلقه وإنه عندما يرسل الولد يرسل رغيفه تحت إبطه، وأكدت له أن أمي ستنجب مولودا ذكرا لأنه على حد قولها ملامحي تشبه ملامح الذكور! ثم مسدت شعري الكستنائي وأردفت: “صحيح أن هم البنات للمماتْ ولكن رابعة كثيرة الغلبة تعوضنا عن خمسة أولاد”.
عندما أنجبت أمي أخي فادي..؟ ارتفع شأنها كثيرًا عند أبي، الذى كان قلبه يتراقص من شدة الفرح، وصوته يصدح كالعصافير.. وكان يحمله وكأنه يحمل كنوز سليمان الحكيم، وأنا كذلك كنت سعيدة جدا لأنني حظيت بسوار ذهبي، ابتاعته لي جدتي وكانت تتوسطه خرزة حظ، ليس لأنني رابعة البنت الشقية كثيرة الغلبة بل لأنه أتى أخي فادي على رأسي.. وهو أيضا حظي بكف ذهبية ترصعه خرزة حظ من العين والحسد، علقته جدتي على كتفه الصغيرة.
ولن أنسى قط يوم رحيلي عن قوقعتكم الأرضية وتحولي لنجمة متألقة في كبد السماء، كان أول الربيع وبعد شتاء مبارك فيه فاضت بحيرة طبرية، حينما نهضتُ مبكرة وكان الصباح يجري في عيوني، فيزيدهما بريقا وكنت قد وضعت في محفظتي الصغيرة أوراقا وأقلاما لكي أرسم كل ما سترصده عيناي على الشاطئ الجميل، لأن المعلمة وعدتني أنها ستعلق لوحتي في زاوية المبدع الصغير.
وقفت مشدوهة أراقب أمي التي نهضت باكرا، لتحضّر الزاد، لحوم بيضاء وحمراء، نقانق وأنواع مختلفة من السلطات، تبولة وورق دوالي..
حتى يكاد يظُن الناظر الى الكومة الكبيرة التي جهدت بتحضيرها، أن مخزون الطعام سينفد من العالم! وكنت أدرك رغم صغر سني، أن أمي تريد أن تثّبت لصديق والدي وزوجته المتعجرفة، الذيّن سيصحباننا للنزهة، أنها بيدر كرم.. وتصوّر يا عزيزي القارئ أنها بخلت علي باجابة بسيطة لسؤال ساذج، “ماذا تأكل الأسماك في بحيرة طبرية؟ هل تأكل القمح كالعصافير؟”. سألتها المرة تلو الأخرى..
– أمي.. ماما.. أجيبيني هل تأكل القمح.. كالعصافير..؟
نظرتْ إليّ بامتعاض وأجابتني بنفاد صبر:
– إنها شرهة نهمة، تمامًا مثلك يا رابعة تأكل كل شيء.. كل شيء!!
وفي غفلة منها حشوت جيوبي الصغيرة بالبرغل الناعم من (المرطبان) الموجود على الطاولة.. لكي..؟ أُطعم الاسماك الشرهة مثلي، والتي تنتظرني في البُحيّرة العذبة..
أثناء سفرنا عرّج أبي على أحد المتاجر الكبرى لابتياع بعض الحاجيات، وقبل نزوله من السيارة رفع سبابته وقال متوعدا مهددا:
– الويل لمن تلحقني إلى المتجر..!
ولأنني كنت طفلة كثيرة الغلبة كما أخبرتكم منذ البداية..؟ فقد لحقته..! رغم توسلات أمي.. وفوجئت بأبي يضع كل ما يجده أمامه من المسليات والبذورات المحمصة ومشروبات غازية ومشروبات طاقة، ربما يريد هو الآخر أن يثبت لصديقه وزوجته المتعجرفه أنه بيدر كرم! مع “أنّه” أي أبي..؟ يستقطر الرزق فلا يبلغ منه الكفاف! ولم أبال بنظرته القاسية، عندما اكتشف انني تبعته إلى المتجر، بل تحديّته عندما قبضت يداي الحرير، على رزمة تحوي دفترًا صغيرًا للرسم وعلبة ألوانٍ، عندما تذكرت أنني نسيت أن أجلب ألواني ودفتر الرسم خاصتي، وتذكرت أيضا وعدي لمعلمتي!
والدي العزيز لم يستوعب أي كلمة مما قلته، بل أمرني بنبرة قاسية بأن أعيد الرزمه لمكانها وأسبقه للسيارة حالا..
انصعت لأوامره وعدت أدراجي إلى السيارة، أجرجر ورائي أذيال اليأس والقنوط، وعندما عاد إلينا صب جام غضبه على أمي، حيث قال بتعنت وغضب:
ألا ليتها لم تولد بل ليتني أنا نفسي لم أولد وأرَها..
انكمشتُ في المقعد الخلفي وبدأت أبكي بصمت.. أنتم معشر الكبار تبذلون الغالي والرخيص في سبيل تحقيق مآربكم الخرقاء، وبلوغ غاياتكم التافهة وتبخلون علينا نحن الصغار بأشياء زهيدة، لا تغني ولا تسمن من جوع..
عندما وصلنا إلى البحيرة المشتاقة لخطوات الصغار مثلنا، لنمرح على شواطئها الناعسه بعد شتاء قاسٍ.. الحمد لله..؟ اجتازت أمي الامتحان أمام زوجة صديق أبي، بعد أن أخرجت كنوزها التي جلبتها معها من البيت، بالإضافة إلى ما ابتاعه أبي.. وبينما انشغلت الامرأتان بتحضير الوليمة الكبيرة، وكانت أمي تتظاهر باللباقة واللطف أمامها خوفا من أبي، ولكنها كانت مثلنا تماما، لا تطيقها ولا تطيق طفليها الصغيرين اللذين أسّرفت في تدليلهما.
انهمك أبي وصديقه بتحضير موقد الشواء حتى أنه يخيل للناظر أنهما مقبلان على إنجاز مشروع عالميّ يغير وجه التاريخ!
لعَمري إنك أعمى القلب أيها الإنسان، تنفق الساعات الطويلة لتكسب قوتك، وتتجاهل كتاب الطبيعة المفتوح أمامك، المطرّز بألف لون، والمحلّى بألف طعم..!
ليتني أملك ألوانًا وأوراقًا لكنت رسمت أجمل لوحة في الكون!
ولكنني بالرغم من تلك الأمنيات الباطلة، كنت سعيدة جدا أرمح كظبية صغيرة أُعتقت من سجنها، تارة أعدو وراء أخواتي حلا وورد، وطورا أركع أمام أخي فادي الذي تعهدت أختي البكر ياسمينة برعايته، وأغرس وجنتيه بالقبل ثم ألتقط كعكة لذيذة من الدكان الذي جلبته أمي معها من البيت، وأعود أركض على الشاطئ الدافئ يلفحني نسيم الربيع المنعش.
لم يأبه أحد للظبية الصغيرة التي شردت عن القطيع وتسللت للماء بحذر، لتطعم الأسماك الصغيرة البرغل الناعم مما حشرته في جيوبها، وبدأت تتقدم رويدا رويدا.. دون أن تفلح في ايجاد سمكة واحدة!
كان شعري أشعث، عندما حاولت التخلص منه! شعرت أنني أختنق وبدأت بمناداة أمي.. أمي أرجوك ساعدينى.. ولكن ما من مجيب..
كان المد عاليًا عندما جرفني إلى جوف البحيرة، وكنت أتخبط بالمياه، وأنا أحاول أن أصرخ ولكن صوتي كان يختنق تماما كما “كنت”، أختنق أنا..
قاومت بكل قوتي محاولة أن أطفو على وجه الماء، لأعود إلى حضن أمي.. حقا! لا أريد شيئا سوى أن تحّضُنَني أميُ.. ولكنني كنت عاجزة تماما عندما ابتلعتني المياه.. وساد عالمي الصغير.. الظلام..
عندما انتشلوا جثتتي من البحيرة، كنت كخرقة بالية لا يتحرك بي عضو ولا ينبض بي عرق، وشعرت أنني أخف من الريش..
سمعت أمي تبكي كثيرا وهي تضم أخي الصغير إلى صدرها وكأنها تخاف أن ينتزعه أحدهم منها.. وكان أبي يبكي كثيرا، وأخذ يضربني على وجنتي.. وينادي ردي.. ردي يا رابعة، ردي يا حبيبتي..
آلمتني جدا يا أبي ولكنني لم أرد.. أوجعتني دموعك يا أبي.. كل حياتي وأنا أقول أنك قاس .. ولكنني أدركت الآن كم أنت حنون..
بدأت أخواتي بالصراخ..
– ردي علينا يا رابعة.. ردي؟؟
– أختكم ماتت.. ماتت!!
أجابت أمي بعد أن فشلت كل محاولات زوجة صديق أبي بتهدئتها..
أنا.. لم أمت..! نظرت حولي.. كان كلهم يبكون .. ويرعبوني بصراخهم… ولكنني..؟ لم أمت..!
آه.. آه لو تأخذوون عيوني وتروْن ما أرى، لأحدثتم انقلابا في مفهوم الموت.. لقد نبتت آلاف أزهار الزنبق على وجه بحيرة طبرية العذبة؛ وغمرتني بطيبها.. وتحولت الصخور البركانية التي حولها إلى أحجار كبيرة من الزمرد والماس، وغمرت الوجود بسنا نورها، وتعانقت شجيرات الآس والدفلى، وكانت تبكى كأمي الثكلى تماما!
“لستم الوحيدون الذين تبكون عندما يموت طفل، الوجود كله يبكي..”
في صباح الغد، وعندما عدت للبيت مع أهلي، كان نواح وعويل وصراخ.. ولكنني كنت سعيدة جدا..
لقد طَوَّبوني نجمة دون مقابل! احتفلت بموتي كل وسائل الإعلام بالدولة؛ بل تحولت لمأدبة إعلامية دسمة، استوليت على شاشات التلفاز والمواقع الإلكترونية..؟ برهة من الزمن.. أطلّت صفحات الجرائد، عن خبر غرق طفلة في بحيرة طبريا..! لقد أصبحت نجمة مشهورة بفضل موتي المأساوي بينما..؟ كنت مجرد الطفلة الرابعة.. رابعة..
والأجمل من ذلك أنني حظيت بفستان أبيض وطوق من الياسمين.. لطالما توسّلت لأمي بأن تشتريَ لي فستانًا أبيض، وكانت كل مرة تعدني بأنها ستبتاعه في العيد القادم، وها أنا أحصل عليه قبل قدوم العيد! ولكنني حزنت كثيرًا عندما نزعوا من معصمي سواري الذهبي المرصع بخرزة حظ، والذي أهدتني إياه جدتي، ولكنني اليوم أشعر بالراحة والسعادة، لأن ثمة رابعة أخرى تتقلد سواري اليتيم، وتحمل اسمي الذي لطالما كرهته! وكل ما أتمناه أن لا يخطئها سهم الحظ كما أخطأني “أنا” قبل حفنة أعوام، وسلبني سنوات فرح كثيرة..
نص جميل على مستوى التقنية. ..لكنه قاسي جدا على مستوى المضمون. …وأنا أقرأ النص كنت اتمنى أن ينتهي بسرعة حتى تنتهي المأساة. ..بل لم أستطع قراءته في المرة الأولى. ..وتوقفت في المنتصف ولم أعد إليه إلا بعد يومين كاملين. …كم هي قاسية شهادة الصغار. ..وكم هي فضيعة أخطاء الكبار في حقهم. …ورابعة مجرد عينة. …لكنها بليغة. ..!!إنه نص قاسي وصادم. ..مودتي
الدنيا يا صديقتي امرأة فاتنة، فيها ما فيها من الطهارة ومن السّحر والزهو والغوايات، ومن الهزائم والمآسي وأشكال العذاب حتى تخوم الصراخ. لكننا في الشق الأخير محكومون بالأمل ما استمرت فينا الحياة، يقودنا فيمسك بأيدينا ويسير معنا، والمآسي التي لا نحبُّها؟ إن هي إلاّ جزء لا ينفصل من إنسانيتنا تساعدنا على “الإبداع”.
أما النص وإن كانت صياغته مترابطة عموما وبعيدة من الأخطاء؛ فإن أفكاره تتلاحق أو تتواجه في اشتباك مضطرب التفاصيل، فلم يكن تحت السيطرة معظم الأحيان، إلاّ أنه عموما يستدعي التوقف “للراحة” والتقويم.
فأنت في اعتقادي لا تختارين المعبِّر فحسب..؟ بل ما هو شديد الوقع والتعبير حتى حدود المغالاة. ولئن كان “الصراخ” قد صدم واستفزَّ الأستاذ عبد الجليل..؟ فيعني أن النص “ناجح” وقد حقق مبتغاه في بعض الحدود .
“بتحبني وشهقت بالبكي”؟ أسلوب مختلف. أتمنى أن تَدَعِي الموت وتكتبي عن الفرح الوجه الآخر لإنسانيتنا. أما أنا فأرجو والرجاء أعلى مرتبة من الأماني أن أموت يوم ينشف زيتي، فأتبسم لمن حولي وقلبي يخفق وديعا كقمرية زرقاء.
الماغوط تمنى ذات مرة أن يُعْدَمَ على عود مشنقة عالية، لترتفع إليه الأعناق مرة في حياته. تحققت أمنية الشاعر؟ فارتفعت إليه الأعناق دون أن ينال “شرف الإعدام”، وتنتهي حياته على عود المشنقة.
https://www.youtube.com/watch?v=snucjzQUtjo
سرد آخاذ لمبدعة حقيقية بعنوان خاطىء…حيث الأنسب: ذكريات موت ظبية صغيرة!
رابعة اسم لطيف
يحمل معاني الوداعة والاطمئنان والعطف
ويعني الراضية..
والأطفال لغة الإنسانية
في قلوبهم فرح الكون
يملكون اللحظة..ويدركون سر العالم
موتهم وفقدانهم أمر مؤلم
ما أضعفنا أمامه وما أشقانا
“كم هي قاسية شهادة الصغار.. وكم هي فضيعة أخطاء الكبار في حقهم.. ورابعة مجرد عينة.. لكنها بليغة”
نعم يا أستاذي..
كم هي قاسية شهادة الصّغار..
وكم هي فظيعة أخطاء الكبار في حقهم..
ورابعة مُجرد عينة.. من بين عشرات الأطفال والشّبان الذين
يغرقون سنويًا في بحيرة طبرية “بحيرة موت مُعلن”
وعندما نسمع عن حادث غرق! حتى نحدس بأن الضحية عربي، ولماذا؟ ببساطة لأن لدى العرب استهتارًا مقلقا بالتحذيرات عمومًا، وبالمخاطر على الشواطئ بشكل خاص..
بحيرة طبرية الخطيرة، التي بات أمر اختطافها لواحد من شباننا وأطفالنا تقليدًا سنويًا، قد يتكرر في الموسم الواحد أكثر من مرة، حتى صار يشبه موتا معلنا سلفًا، دفعتني أن أكتب هذه القصة المؤلمة، بتفاصيلها القاسية والصادمة! وهي صفعة موجعة على خد هؤلاء الذين يهملون أطفالهم وينشغلون عنهم بإعداد الطعام والشراب “وكأن مخزون الطعام سينفد من العالم!” كما قالت بطلتي رابعة التي بكيت كثيرًا عليها ومن أجلها، وذرفت دموعًا ساخنة، وأنا أسرد قصتها..
سامحني يا استاذي إن استفزتك سطوري ومفرداتي..
أنا كتبت عن رابعة بمداد روحي..
وعيون قلبي..
وعن عشرات الرابعات اللواتي..؟
غرقن، اختنقن، احترقن. دُهسن..
ولم يسمع عنهن أحد..
ومنهن ست بنات من إحدى القرى العربية في الجليل..
أسلمن الروح بعد أن علقن في سيارة قديمة..
وبالصدفة قرأت الخبر في إحدى الصحف المحلية..
طفلتي رابعة تحدثت باسم كل هؤلاء الضحايا.
وأشكرك من كل قلبي على ملاحظاتك القيّمة
وروحك النبيلة وإنسانيتك الشفيفة.
ومرورك الثري الموضوعي، في كل نصوصي.
تحياتي أستاذة لأنك تطرقت لموضوع مهم رغم قساوته. ..ولعل من مهمام القصة القصيرة نقد وفضح هشاشتنا. …ذكرتني خطورة بحيرة طبرية بحكاية بحيرة /سبخة زيمة بمنطقتنا. …حيث هي مكان لاستخراج الملح. …ويحيط بها اخدود طويل يكون غالبا -خصوصا خلال وفرة تساقط الامطار- وفير المياه حتى في فترة الصيف القاسي. …وكان الأطفال يتعلمون أولى دروسهم في السباحة هناك. …ولكن كانت تقع حوادث قاتلة بين الحين والحين فيغرق بعض الأطفال وخصوصا الغرباء عن المنطقة والضيوف. …لأنهم لا يعرفون خصوصية المكان. ..وأما أنا فقد حمتني الوالدة رحمها الله حين وقفت في وجهي وصرخت :”ها الرضى …ها السخط ابتعد عن زيمة “…ومن يومها وانا اكتفي بالتفرج على السبخة بدون مغامرة السباحة. …وكبر معي العزوف عن السباحة والخوف من الماء الذي تسكنه الحياة إلى جوار الموت. …تقديري أستاذة. ..وتحية للسنابل والأساتذة المافاعلين مع نصك. ..
عفوا تصحيح :الأساتذة المتفاعلين. ….
“يجب على المرء أن يسدّد ثمن الخلود، يجب على المرء أن يموت مرّات عِدّةً، بينما لا يزال حيًا يُرزق.
نيتشة- هذا هو الإنسان.
ومرات عديدة.. شعرت بمرارة الموت وأنا أكتب هذه القصة التي قسوت فيها كثيرًا على بطلتها الخرقاء..؟ عمدًا؛ لألمس وجدان القارئ وأستفزّ مشاعره..
“لعَمري إنك أعمى القلب أيها الإنسان، تنفق الساعات الطويلة لتكسب قوتك، وتتجاهل كتاب الطبيعة المفتوح أمامك، المطرّز بألف لون، والمحلّى بألف طعم..!”
هذا ما قالته رابعة؛ طفلتي الإستثنائية، مرهفة الحس، الراقية في تفكيرها ونظرتها للحياة.
“انكمشتُ في المقعد الخلفي وبدأت أبكي بصمت.. أنتم معشر الكبار تبذلون الغالي والرخيص في سبيل تحقيق مآربكم الخرقاء، وبلوغ غاياتكم التافهة وتبخلون علينا نحن الصغار بأشياء زهيدة، لا تغني ولا تسمن من جوع..”
أليس الغرق المعنوي، أشدّ إيلامًا ووجعًا من الغرق الجسدي يا صديقي؟
وكم من طفلٍ وشاب، قتله الغرق المعنوي قبل الجسدي..
ولكن رابعة..؟ الغالية على قلبي، تمسكت حتى آخر لحظة في عمرها القصير، بشراع الأمل الذي حوّلها لنجمة تُنير السماء، بعد أن خذلها حتى أقرب الناس إليها..
لم يكن سهلاً عليّ ضبط ايقاع سيناريو قصتي في هذه المأساة الإنسانية، ولكنني مُقتنعة تمامًا أنني سيطرت على تسلسل الأحداث حتى نهاية القصة، التي لم تكن مجرد “اشتباك تفاصيل” خرجت عن سيطرتي، بل ارتأيت ذلك، ليلتفت العالم المنهمك في تطوير وتسويق اسلحة الدمار الشامل، لبراعم الأمل التي تذبل قبل أن تُورق وتزهر ويعبق العالم بأريجها..
أشكرك يا أستاذي ومعلمي وصديقي.
وسواء حملنا الحياة في جيب
أو حقيبة جلدية..
لن نستطيع إقناع الموت
بفتح صفحة جديدة.
https://youtu.be/CliMGLLjnRg
أستاذي الراقي
مهند النابلسي
كلماتك الطيبة، التي جبرت بخاطري، كجرعة ماء عليل، لناهل غليل..
وشهادتك..؟ وسام شرف اعتز به مدى الحياة.
وسواء كانت طفلتي الرابعة، رابعة، أو الظبية الشريدة..
مأساتها ترجمت كل مآسي أطفال العالم..
يشرفني مرورك الأثير.
صديقتي الغالية إيناس ثابت.
أنيسة الأرواح وبلسم القلوب.
تطلّين علينا من اليمن السعيد
برقة مشاعرك، ودفء روحك.
وسعة فكرك..
وتفاؤلك الوردي الذي يطرد عن نصوصنا
ضباب السوداوية، وعتم الكلمات..
ولكن..؟ يعزّ عليّ يا غاليتي عندما أدخل للصفوف في المدارس
وأسأل الطلاب عن اسمائهم لأكتشف أن الأغلبية الساحقة لا تدرك معنى أسماءها.
وأن هناك أسماء غريبة، دخيلة على لغتنا العربية الغنية بأرقى وأجمل الأسماء.
“جيسيكا، أفيران، ران، رون، لاما، ناردين، سلين.. ديانا، عمير..”
ولأن الأطفال أكبر نعمة في حياتنا..؟
غنت لنا السيدة فيروز : أسامينا..
دمت يا إيناس الجميلة
أجمل الصبايا
وأرقى الكاتبات.
https://youtu.be/ylq81w5YXsI
يا ريشة لهفتي- وعينينا هنِّي أسامينا؟ أحسنت الاختيار كثيرا فوديع من نبض قلوبنا وكوكب في ليل هذا العالم المظلم الغشيم. وفيليمون وهبي هو الأسطورة كزوربا ودون كي شوت، وليست الأسطورة في مكان آخر.
الأساطير لا يستحقها إلاّ المبدعون، والدنيا يا صديقتي قائمة على “ظاهرة” التفاوت بين السلام والحرب. كما بين قوي وضعيف وظالم ومظلوم.
ولا مكان يا صديقتي للإغراق في التمني، بقيام عالم مثالي يسوده الخلاص، وتسوده عدالة بعيدة من القسوة والتجني.
وسلامة التعبير لا تنحصر بصورة واحدة، فصوره بلا حدود، والكلمة يا صديقتي أداة طَيِّعة نجرُّها حيثما نبتغي.
عندنا ولدت الأساطير
وأزهر الإبداع.
“قالت ضحاك ما بريد تعقد هالجبيـن
استحليت عا شفافـك الضحكـه أعرفـا
قلت كيف بدّي إضحك وقلبي الحزين
تيتّـم وصـادق عـالمحبّــه والوفـــا …
ولـوّ..! هيك بتطلعوا منّا..
……
من ولوّ هيك بتطلعو منّا، للسبعلي وغناء وديع الصافي..
بطاقـة هويّـة: أسعد السبعلي
أسعد فرح، ابن التراث الأصيل.
هو : شاعر الضيعة الأول، وُلد في سبعل 1910
تعلّم في مدرسة تحت السنديانة وهو يرفع الرأس بذلك ..
صاحب كتب: منجيرة الراعي، هادا لبنان، يا بو جميل، طل الصباح، حنّه، نقلة كنار ، وبعد رحيله نشر له؛ مذكرات السبعلي، وعن بيت جدي السبعلي
أستاذ الأغنيّة الجبليّة، اللبنانيّة الأصيلة غنّاها له وديع الصافي على أرقى ما يكون .. غنّى له أيضاً؛ نصري شمس الدين، نجاح سلام، مروان محفوظ، وداد، ساميا كنعان، سعاد الهاشم، هيام يونس… والعديد من المطربين والمطربات وله في الإذاعة اللبنانيّة أكثر من 300 أغنية …
عالميّ : دخل اسمه كشاعر شعبيّ في عدة موسوعات عالميّة ” لاروس الفرنسيّة ” و ” بريتانيك ” وغيرهما ، كُتبت عدّة أطروحات جامعيّة عنه وعن شعره وتُرجمت بعض قصائده إلى الفرنسيّة والأرمنيّة ولغات أخرى ..
أسعد فرح : صار أسعد السبعلي على يد رشيد بك نخله وأميراً للشعر اللبناني على يد أمين نخله ..
أسّس عام 1937 جريدة “السبعلي” التي هي ربما من أولى الجرائد الزجليّة في لبنان والمهجر وشارك في تحرير جريدة الشعلة كما أسس في أوائل عهده فرقة المنتخب الفنّي الزجليّة مع طانيوس الحملاوي وأسعد سابا وعبد الجليل وهبي ، عضو مؤسس لعصبة الشعر اللبناني ….
نال العديد من الأوسمة والتكريم في حياته، وسام المعارف من الرئيس شارل حلو ووسام الإستحقاق اللبناني من يد الرئيس سليمان فرنجيّة.
انتقل إلى ملكوت الشعر في 31 تموز 1999 ، وكان النحّات السبعليّ والعالميّ بدوي فرح قد أنجز له تمثالاً نصفيّاً قبل سنتين من رحيله بهمّة المغترب االسبعليّ خليل طرطق في مهرجان كبير وهو ربما يكون أول شاعر يشاهد تمثاله على حياته ..
بوركت حروفك الذهب أستاذي
ابراهيم يوسف الأصيل.
هولاء هم العباقرة
الذين سطّروا الحروف الخالدة
على صفحات الإنسانية..
فتضوعت عطرًا في الأكوان.
واطربوا العالم بصفاء أصواتهم
فسالت شهدًا في فم الزّمان.