دهرٌ من التّشهيرْ
والسُّمعةُ المُسْتباحة
للأطفال الصِّغار.. والكِبار
إبراهيم يوسف – لبنان
تقتضي الأمانة الأدبيّة
الإشارة أنّ الحكاية
نُشِرْت في مجلة عود النّد
منذ عقد من الزّمن
وما نشرُها اليوم بصيغة جديدة
إلاّ استجابة مقرونة بالشكر
لرغبة بعض الأخوة الأصدقاء
على طريق الرّيف، مضتْ رَازْ تجوبُ البراري، تنتقلُ من حقلٍ إلى حقل، تجمعُ حبوبَ الحنطة التي خلّفها الحصادون. راز صَبِيَّة مُتَوهِّجة المشاعر لم تزلْ في ريعان الشباب. تتمتع بقوام ممشوق وعينين ساحرتين، ووجه مشرق يفيض بالمحبّة والرضا والسلام، ورصيدها في الحياة إرادة صلبة وعزيمة لا تلين.نامت ليلة الأمس مع مغيب الشمس، وأفاقت عند طلوع الفجر نشيطة متفائلة بالدّنيا، عازمة أن تنجزَ في أيام قليلة، ما فاتها خلال موسم الصيف، بعدما تجاوزتِ المحنة التي ألمَّت بها، عندما كانت منهمكة تحنو على جدتها، وقد تحوَّلت في آخر أيامها بفعل المرض إلى كومة من عظام. لكن العجوز لم تقضِ إلاّ بعد مواجهة شجاعة مع المعاناة، ولم تكن حالها لتنتهي في مطلق الأحوال، بغير الموت والتسليم.
كان الخريف قد اقترب من نهايته، والبرد بات على الأبواب، وراز لم تبدإ السعيَ بعد لتدبير مؤونةٍ للشتاء وليالي البرد الطويلة. الشتاء الذي يخشاه الناس وسائر المخلوقات، وتتحضّر له قبائل النمل والحشرات، التي تعيش في شتّى بقاع الأرض.
والحقيقة السّاطعة التي لا تقبلُ النقاش..؟ أن راز شابة رصينة وجمالها يسبي القلوب. لكنّها تكتمُ ما في نفسها ولا تبوحُ بسّرها أبدا. قلَّما تلهّت أو أضاعت وقتها سدىً..؟ أللّهم إلاّ في تلك اللحظات المُحَرِّضة السّعيدة التي دهمتها، فاستسلمت لها وشعرت بالضعف أمامها، حينما تناهى إلى سَمْعها صوت رخيم وأنغام شجيّة، يعزفها على كمانه جارها وصديق طفولتها مِيْرْ.
مير جندب الشّجر الساحر الانيق. هذا الجندب الأخضر الجميل، لا يثير التّقزّز كما هي حال الصراصير، التي تقشعرُّ لها الابدان، وتعشق العيش على نفايات الطعام.
وما ينبغي قوله أيضا، إن مير مختلف جداً عن كافة الحشرات والصراصير، فرخامة صوته تشبه تغريد العندليب، وإلى جانب حسنه وأناقته كان مولعاً بالعزف ويحترف الغناء. لكنه مُدْمِنٌ على الكسل، وتلهبُ مشاعرَه تاءُ التأنيث ومختلف الجنس اللطيف.
يقطف أكثر الثمار نضجاً وطراوة ليأكلها، ولا تروقه ما لم تبلغ حلاوتها طعم العسل. وحينما يصحو من نومه، يشرب النَّدى المعطر بأوراق الورد كلَّ صباح. يسهر الليالي وينام غالبا حتى يدركه الضحى، وربما أخذته الغفوة إلى منتصف النهار.
هذا دأبه يعفي نفسه دوما من المسؤولية، ومن التبعات التي يلقيها عليه الآخرون، ليعيش كما يحلو له حياة مُحرَّرة من كل الضوابط والقيود..! لكنّ الشهادة لوجه الحق..؟ إنه بعيد عن الإساءة الى الغير من سائر الخلق. تلك هي قناعته التي آلت إليه بالسليقة، فلا يناقشها مهما تكن النوايا حسنة، أو كانت دوافع اللوم والتنديد.
توسّل العزف والغناء ليُغَرِّرَ بِنَمُّوْلْ، جارتُه الرَّزينة العاقلة فيصرفها عن العمل، لعلّها تستجيب لرغباته ومشيئة قلبه..؟ لكنّه عبثاً فعل..! فهي إن أبطأت أو تراخت بتأثير النّغم وشدو العندليب المتيّم..؟ إلاّ أنّها سرعان ما تسُدُّ أذنيها عن المعصية والكسل، وتنخرط في عملها من جديد، بعزيمة قويّة وهمّة لا تعرف الفتور.
على أنّها والله يشهد؟ حاولت بصدق وتصميم أن تثنيه عن التّراخي الكسل، وتحرّضه على الأقل أن يجمع مؤونة الشتاء لنفسه، لكنه عاش كما يحلو له يستخفُّ بنصحها ويمعن في لهوه، ويبدِّد وقته على الطيش والهوى والتمادي والعبث البريء.
وما أن انتهى فصل الخريف..؟ حتى ملأتِ النملة كيسها حبَّة.. حبَّة. ملأته وقد هبَّتِ الرِّيحُ واعتراها الجنون فجأة. أمّا الغيوم الدّاكنة المُثقلة بالثلج والمطر، التي تلبَّدت على علو شاهق..؟ فلم تتأخر كثيراً عن موعدها كما في كل عام.
هكذا اطمأنت راز وهدأت أعصابُها، للمؤونة الكافية التي جمعتها، وتولَّتها أسباب الرّاحة والأمان، وحملت ما جمعته بالتعاون مع رفيقاتها، إلى مخزن الجماعة في قرية النمل، ممن شاركنها تكسير الحبوب، لئلا تستفزها الرطوبة بالتفريخ.
وهكذا انقضى الصيف والخريف وحلّ الشتاء البارد الطويل، فالأزهار قد ذبلت وماتت واختفى عطرها، والأشجار تعرّت تماما من أوراقها، والطيور التي لم تهاجر أوَتْ إلى أعشاشها، والنملات التي أضناها التعب..؟ لجأت أخيرا إلى قراها وهي تشعر بالسكينة والأمان. وبدأت الريح تتعالى وتنفخ في النفير، وراح الثلج يتساقط على قمم الجبال، وتمتد سطوته إلى الحقول والوديان، ويغطي الساحات وسطوح البيوت.
في البداية الْتَحَفَ الجندب بعضاً من الأوراق الصفراء المتساقطة، التي لم تقه هول الصقيع، فراح يرتجف من شدة البرد والجوع. لايمكن أن تستمر الحال هكذا..!؟ قال الجندب لنفسه. ثم تناول كمانه ذلك الصديق الأمين، الذي لم يخنه أو يتخلَ عنه أبداً، وهام على وجهه قانطاً مهزوماً، وليس في جعبته غير الخيبة والخوف والجوع.
كان يحمل مرارته وهمومه والكمان، ويتعثر في خطاه وهو يجوب الحقول والجبال والوديان، حاسر الرأس حافي القدمين خاوي البطن يبحث عن خلاص. كلما جدّ في المسير..؟ كلّما اشتدّ برده وجوعه، وكلّما اشتدّ جوعه..؟ شدّ حزامه على بطنه. وما أن يطوي مفازة حتى يُمعن في اليأس والضّياع، إلى أن قادته قدماه صدفة إلى قرية النمل، وهو في حال من الخوف والوهن الشديد، ويكاد يلفظ معه النَّفَسَ الأخير.
ولمَّا كان شديد العجز خائر القوة..؟ فقد زحف على ركبتيه ومرفقيه ليبلغ الباب. طق.. طق.. قرع الباب مرتين بانكسار وخجل وأنفاس تتقطع وانتظر؟ انتظر لحظات خالها دهراً. كان لسوء حاله وشدة خيبته وقهره على نفسه يوشك أن يبكي، ولو فعل لفرّج عن كربته..!؟ لكنّ الجندب لايملك دمعاً يذرفه، لهذا فمحنته أشدّ وأدهى.
راز منهمكة في تدبير شؤون المنزل، وليست في قيافة حسنة تشجعها على استقبال الضيوف أو الزوار. من الطارق سألت النملة؟ وأجابها مير بصوت المتوسل الخافت الضعيف: أنا جارك، جارك الجندب المغنّي، صاحب القيثارة يا صديقتي ألا تتذكرين!؟
لم أكن أتوقع زيارتك يا صديقي..!؟ لقد فاجأتني هكذا قالت النملة..! ويجيبها مير بلهجة انكسار وذلّ لا يخلو من التملق والخنوع: أنا شديد الحاجة إلى مساعدتك يا جارتي، مفاصلي تؤلمني وتتجمد من شدّة البرد والجوع، ألا تفتحين لي الباب..؟ بعد فترة من الصّمت القاتل، يؤشر إلى خيبة أخرى تقول له النملة: أرجوك انتظر قليلا.. قليلا فقط وإياك أن ترحل، سأفتح لك حالما أغيِّرُ قميصَ نومي وأهتم بشأني.
ارتبكتِ النملة كثيراً من وقع المفاجأة، ذُهِلت عن نفسها لبعض الوقت، لكنّها تماسكت، لَجَمَتْ عواطفها وسارعت إلى دولاب الملابس، فاختارت بعد تردُّدٍ قصير ثوباً جميلاً جداً، أجمل ما في الدولاب؛ واجهت من فرط ارتباكها صعوبة في ارتدائه.
إنه مثير حقا..! لايستر من مفاتن جسمها الاّ القليل، فيكشف في جزئه الأسفل عن ساقين جميلتين، كأنهما من الأبنوس اللامع المصقول، وفي جزئه الأعلى نافذة تطلُّ على الثديين. وأمَّا ما حجبته حياءً عن النّظر..؟ فعنه يعجزُ الوصف والتفصيل..!
هكذا ارْتَدَتْ بسرعة الخاطر الفستان المُنمَّق بتطريز جميل، وتأملت نفسها جيدا في المرآة..؟ ثم عمدت إلى زجاجة عطر نادرة، كانت قد خبّأتها منذ زمن بعيد، انتظاراً لمناسبة تستحق الانتظار الطويل..! وها قد أقبلت الفرصة التي تريد، فرشّت عنقها وصدرها وأذنيها، والأماكن الحساسة من سائر جسمها، وأسرفت في الرش الكثير.
عطرٌ نادرٌ يتسرَّبُ كالمخدِّر إلى حاسة الشّم، ليوقظ هرمونات الجسد والرغبات الدفينة، ويفعل فعله في الجسم والروح. ثم سرّحت شعرها بخفّة، سرّحته كيفما اتفق، وأصلحت أحمر الشفاه في حركة سريعة، مشتركة بين الأنامل والفم. اطمأنت للمرة الأخيرة إلى شكلها في المرآة، وهبّت تفتح الباب. نبضات قلبها بلغت حدّها الأقصى، والدم بدأ يتجمع عند أطراف الأذنين، ويحتقن في الأنف والوجنتين.
كان قد نهض واستقام قليلا، بعدما تهالك على نفسه بالوقوف وهي تفتح الباب، وراح يزفر أنفاساً متلاحقة عميقة. وكاد لفرط عيائه أن يسقط مرة أخرى على عتبة الدار..؟ لكنّها تلقَّفته بكلتا يديها قبل أن يتداعى ويسقط من جديد، فاستراح رأسه ملتصقاً بصدرها، يفوح منه ذلك العطرُ المنعش النفّاذ. عطر يطيح بقوة الاحتمال..!
هبّت جاراتها في مملكة النّمل إلى مساعفة المشرَّد المسكين. إحداهنّ حملت إليه كوبا من النبيذ المعتق الأحمر، بينما كانت جارتها تعدّ له حساءً ساخناً. من كانت تطهو..؟ طرحت وزرتها جانبا ثم أطفأت النار وجاءت تستطلع الخبر..؟
إحداهنّ أقبلت تحمل أغطية من الصّوف والسّاتان الملوّن، كانت قد احتفظت بها من ليلة عرسها، وأخرى حملت حطباً إضافياً للموقد، وغيرها أحضرت لقدميه ماءً دافئا.
أما نادلة المطعم فانتحت جانباً مكتوفة اليدين على صدرها، والغيظ باد على محياها والغيرة تأكل قلبها، حينما لم تؤدِّ خدمة للضيف الكريم..! وهي تعترضُ بشدَّة على مهانة الخمر الجليل، حينما يُقدّم مع أنواع الحساء الحقير.
هكذا بدأتِ الحركة تنشط في المخيم، وعادت الحياة تدب في الجسد الضعيف، وما أن استدفأ قليلا واستراح وأحس بالأمان..؟ حتى كانت مجموعة من الأخوات العاملات، قد أعددن على شرفه وليمة عامرة، بكثير من الحرص وحسن التدبير، حيث كان مير على المائدة وحده الذّكر، وضيف الشرف الوحيد.
أكل بنهم ملحوظ وهنّ يراقبنه بإشفاق شديد، وشرب حتى ارتوى وتعافى وارتاح بما يكفي عن حاجته ويفيض. وحينما انتفت حجَّتُه لبقاء أطول..؟ طلب بانكسار بالغ إذنا بالرحيل، ينطوي على رجاء بالرفض المبطّن والشكر الجزيل.
ولمّا لم تكن النملات قد التزمن بعمل في فصل الشتاء..؟ وخير الله يفيضُ على الجميع فقد قابلنه بالإصرار على الرفض. ما حمل إلى قلبه الغبطة والأمان فانطلق يغنّي على سجيّته. أين الكمان..؟ هاتوا الكمان قالت النملات، هيا ننفض عن نفوسنا هذا الملل. إنّها فرصتنا جميعا نحن بأشدّ الحاجة الى الرقص والترفيه.
وهكذا تعالى صوت الكمان عذباً شجياً آسراً، يتردد في أنحاء القاعة الكبرى، ليفعل فعله في القلب والروح، فانتشين وتمايلن طرباً، وتوالتِ الصّبايا على حلبة الرّقص في دائرة تحيط بها العجائز والصِّغار، يشجعون بالصَّفير والتّصفيق جموع الرّاقصين. طال بهنّ السّهر وامتدّ الرّقص والسّمر وتحوّل الليل إلى مهرجان طويل.
وعندما صاح الدّيك إيذانا بحلول الصّباح، انصرف الكلُّ إلى النوم بعد ليل رائع، حمل في طيّاته كلّ البهجة والحبور، وحمل إلى قلب راز نشوة عارمة، فصديقها كان نجم الإحتفال بلا منازع، وقد تألق أشدّ سحرا من قمر وسط النجوم.
بالآه المبحوحة الحرّى، تنطلق من أعمق نقطة في القلب، قضى مير ماتبقّى من فصل الشتاء في ضيافة راز، التي لم تبخل عليه بشىء. خلافاً لما فعلته أختها ذات يوم، حينما وبّخته وطردته من دارها. لا لحماقة ارتكبها إلاَّ أنه يهوى الطرب الأصيل.
وهكذا عوّضته صديقتُه عن حرمانه، وكرامته المهدورة وهان عليه هوان الماضي الطويل، بعد دهر من التّشهير والسمعة المستباحة، وما تداوله كلّ لسان بكل لغات أهل الأرض. ولمَّا كان متسامحاً وكريماُ..؟ فقد غفرَ لأختها وسامحها حين أكرمت وفادته، وآوته في دارها لينعم بالرخاء، وينعم بالحب والدفء في فصل الشتاء الطويل. لكنّه لم يغفر سوأة الكاتب الفرنسي الحقود، الذى تَجَنّى عليه وآلمَهُ وضيَّع مستقبله منذ بداية التاريخ الحديث.
كان يجلس بجانبها، يختلس النظر من حين إلى آخر إلى ساقيها العاريتين، يغنّي لها وتنتشي طرباً له. يحدّثها عن نفسه وعن حبّه الأول وعن لون البنفسج في عينيها، هذا اللون الفاتن اكتسبته بالوراثة من جدّة أجنبية، ماتت الصّيف الماضي.
ولمّا كان الفشل والخيبة غالباً ما ينتهي إليهما الحب الكبير..؟ فقد أخفق مير بالزواج من صديقته، التي هامت به وهام بها حدَّ الجنون..! لا لشيء إلاّ أنّها ليست من بنات جنسه، ولهذا فقد افترقا عندما حلّ الصيف الذي تلا الواقعة و تلك الذكريات الجميلة.
ذلك الصّيف كان يبشّر النملة بالرزق الوفير، ويَعِدُ صديقها الجندب بفيض من اللهو والعبث البريء. وهكذا افترق الحبيبان، فمضى كلٌّ إلى غايتِه وقدرِه المكتوب، وأنا الشاهدُ الوحيد على الواقعة بكل التفاصيل؟ أصابتني لفراقهما دموعٌ وحزنٌ شديد.
تلك هي حكايتي عن مأساة الجندب والنملة. طويتُها منذ طفولتي وألقيتها بعناية في جانبٍ من قلبي، تستفيقُ اليومَ لتعلنَ عن نفسِها، وتروي بصدق قصَّة الأيام الخوالي، والسمعة السيئة ودهرٍ من التشهير، عشتُهُ نصيراً ومخلصاً لهذا الصّديق الأمين.
بيروت في 3 أيلول 2018
إبراهيم يوسف
[ratings]
على هذا النص الرائع؛ المرسوم بريشة رسّام محترف، الثائر المتمرد؛ على كل رواسب وتكلسات الدهر، والفجوات الإجتماعية العرقية، الجنسانية، الخَلقية، الطبقية، والأيدلوجية، التي نحتت في لوح الإنسانية؛ والذاكرة الجماعية، ندوبًا لن يشفيها شيء.. ولما يحويه النص من دلالات ومعانٍ.. ظاهرة ومبطنة..؟ أظنه لا يصلح للأطفال ولكنه وبحق؛ نص غير اعتيادي؛ غيّر الصورة النمطية التي ألفناها للنملة النشيطة، الأنانية، التي لا ترى أمامها..؟ غير حبة القمح، لنملة ودودة تحب الطرب الأصيل، وتشارك الصرصور المسكين، أحلامه وعواطفه الصادقة ولو برهة من الزمن..
أهديك هذه القصيدة: “نحن” للشاعرة الكبيكية جونفيف ديروزيِي Geneviève Desrosiers (1970- 1996)، التي توفيت بحادثة سير. “نحن”، القصيدة الوحيدة المنشورة في حياتها. النصوص الأخرى جمعت في كتاب ” سيكون أعداؤنا كثيرين”، نشر ثلاث سنوات بعد وفاتها، أي في 1999. ترجمة محمد العرابي..
سَنَحْظَى بحمَّاماتٍ جَدِيدَةً عَامِرَةً بِالطَّمْيِ وَبِالرَّوَائِحِ الفَظِيعَةِ./ سَتدْمَعُ أَجْسَادُنَا بِقَطَرَاتٍ صَغِيرَةٍ مِنْ سُخَامٍ دَاكِنٍ./ وَسَتَرَى كَمْ فَرْحَةً سَتَغْمُرُنَا./ كُلَّ يَوْمٍ، سَنُبَخِّرُ سَنَوَاتِنَا الخَمْسَ عَشْرَةَ./ سَتُدْرِكُ مَقَاعِدُنَا المِخْمَلِيَّةُ الرَّثَّةُ عِنَانَ السَّمَاوَاتِ، وَسَيَكُونُ إِيمَانُنَا وَاحِدًا./ سَيَتَوَقَّفُ العَرَّافُونَ بِبَابِنَا لِيَتَسَوَّلُوا كَأْسَ لَبِنٍ./ وَلَنْ يَنْطِقَ أَطْفَالُنَا بِبِنْتِ شَفَةٍ./ سَتَكُونُ صَباحاتُنَا سَاخِنَةً، ومساءاتُنا بَارِدَةً./ لَنْ تَفْتَرِقَ عَيْنَانَا إِلَّا لِتَقْطِفَا تُفَّاحَاتٍ خَضْرَاءَ سَنَتْرُكُهَا بِتَكَاسُلٍ تَسْقُطُ فِي سِلَالِ الصَّفْصَافِ الشَّاحِبَة./ وَسَتَرَى كَمْ فَرْحَةً سَتَغْمُرُنَا./ سَنَهَبُ لَآلِئَ لِخَنَازِيرَ، قِطَعًا نَقْدِيَّةً لِمُعْوَزينَ، كُحُولًا لِمُدْمِنِينَ، قُبَلًا لِعُشَّاقٍ، لَحْمًا لِكِلَابٍ، سَمَكًا لِعَصَافِيرَ وَقَمْحًا لِقَتَلَةٍ./ أَصْدِقَاؤنَا لَنْ نَهْجُرَهُمْ أَبَدًا./ سَنَضَعُ أُمَّهَاتِنَا وَآبَاءَنَا فِي سَاحَةِ الشَّرَفِ./ سَيَنْتَظِرُ خِمْيائِيُّو الشَّيْخُوخَةِ طَوِيلًا أَمَامَ النَّوَافِذِ الَّتِي سَتَكُونُ لَنَا كَثِيرَةً وَنَقِيَّةً./ سَتُلَطِّفُ المُوسِيقَى طَبَائِعَنَا المُفْزِعَةَ وَالمُخْزِيَة./ سَنَتَكَلَّمُ فَرَنْسِيَّةً بِلُكْنَةٍ سَلْفَادُورِيَّةٍ كَيْ نَتَذَكَّرَ فَقِيدَنَا شِيكُو، قَتِيلَ الحَرْبِ مِثْلَ سَمَكَةِ شَبُّوطٍ./ سَنَحْظَى بكواسِرَ جَاثِمَةٍ فِي تَجَاوِيفِ خِزَانَاتِ الثِّيَابِ، بِدِيَكَةٍ مِنْ عَجِينٍ، وَبِدَجَاجَاتٍ فِي الوِعَاءِ./ سَيَكُونُ أَعْدَاؤنَا كثيرينَ./ وَسَتَرَى كَمْ فَرْحَةً سَتَغْمُرُنَا.
الأستاذة شهربان معدي
حسناً فهمتُ قصدكِ جيدا.. وأؤكدُ لكِ أنّ الإشارة، لن تربكَ عقولَ الأطفالِ كما تراءى لك. فإن كان الأطفال يعرفون ما تعنيه الإشارة..؟ فلن يطرحوا السؤال في الأصل، وعليه فليس ما يستدعي الفرضيَّة في الجواب، وإن طرحوا السؤال بخبث أو براءة لا فرق..!؟ يبقى حينها أمام المسؤول واحد من خيارين..؟ أن يجيب بصراحة عن السؤال، أو يتجاهل الرد ليكتشف الطفل بنفسه في المستقبل حقيقة الأمر.
أنت كاتبة وقارئة عالية اللماحة والدقة.. ولا زلتُ حتى اليوم أتذكر “الهايكو” إيَّاه.. المعبِّر بكفاءة ملحوظة عن أحوال النَّوَر. خالص مودتي واحترامي وتقديري، على تشريفك بهذا المرور اللطيف والقصيدة المترجمة..
الأستاذ والصديق الكريم إبراهيم يوسف
لم أعد أعرف حقا إن كانت تجوز الاستهانة بصاحب الحكاية، ووصفه بالحقود ممن لن يتمكنوا من الدفاع عن قناعتهم وأسلوبهم..!؟ وهل يأتي في المستقبل مثلا، من يندِّد بعبد الله بن المقفع..!؟
وأجدني أيضا بجانب الصديقة شهربان معدي، في إشارتها إلى الحكاية ووقعها على الأطفال، وأرى أن الرد وإن كان منطقيا إلاّ أنه ليس مقنعا تماما. لا سيما وأنني عدت إلى حكايتك المنشورة قديما، وأعدت قراءتها من جديد، ولم تكن بنسختها الأولى موجهة للأطفال.
الكاتب إبراهيم يوسف
رؤية معاصرة مع قيم أغنى للقصة الشعرية الشهيرة النملة والجندب للكاتب لافونتين.
القصة الأصلية للافونتين تنتهي بلوم النملة للجندب وطرده وامتناعها عن مساعدته..
( النملة ـ رغم نشاط النمل ـ بخيله
فمن الكامل صاحب كل فضيلة؟
سألت نملتنا الجار الصرصور:
“عذرا.. لا يمكن إعطاؤك شيئا
من قوتي المطمور..
فيم تراك مضى وقتك
أيام شقائي؟”
-في إطراب الجمهور..
فأنا أحسن تلحين الكلمات
– غنّيت.. لم لا ترقص بعد غنائك؟)
أما هنا.. في “دهر من التشهير والسمعة المستباحة” فصديقتنا النملة تعرفت إلى التوازن بين العمل والحياة، وأخذت قسطا من الراحة من العمل الجاد المتواصل لتستمتع بالعزف والنغم والطرب.
وتميزت بقلب كبير مليء بالعاطفة والرحمة بعد أن جندها لافونتين لسنوات طويلة على القسوة على الصديق المسكين وعدم التسامح والتراحم مع المخطئين والمذنبين..
أما الجندب فرفع رايته الخضراء منتشيا بالنصر بعد دهر من التشهير..وسخرية الأجيال ونعتها له بالكسل والتسويف واتهامهه بالامبالاة.
وأخيرا..شكرا لك يا سيدي
أخذت للجندب حقه ونال النصر بعد زمن طويل..
ونحن نلنا المتعة والقيم.
أنا لا أهمل الردود على التعقيبات. لكنني كتبت ردا توسعت قليلا بالحديث فيه، ثم رأيت من الأفضل نشره كموضزع مستقل. أرجو أن أتمكن من نشره في وقت قريب. خالص محبتي وتحياتي للجميع.
استاذي ابرهيم يوسف، مساء النور بعطر الزهور.
حرفك سيدي الفاضل بديع الجمال، سلس، راق واسع الخيال. اهنئك بهذا الموروث العظيم وما العظمة الا لله. الرّوحك شفافة. ويزيد اعجابي بهيمنتك وجرأة على الرد بكل حرية. حضرتك مبدعا حقا وارفع لك القبعة.
والمقولة الشهيرة تقول: “من جد وجد ومن زرع حصد” ايعقل أن النّملة تكد وتتعب و ياتي الجندب وهو الذي كان يقضي وقته في اللهو والغناء ياخذ قوتها؟ كل ما كان يكتبه لافنتان حكم وعبر.
Les fables de la Fontaine sont magnifique et sont des leçons apprises
de la vie et du dur labeur .
Merci de nous avoir rappelé les bancs de l’école et aux livres français de l’enfance.
Maysoun, mes salutations les plus distinguées.
أنا نصير الجندب المهزوم يا ميسون
نص جديد بهذا المعنى أنشره بعد أيام
خالص محبتي وأمنياتي
كوني متألقة.. وبخير على الدوام