خيط من النور

بواسطة | 26 أغسطس 2017 | مقالات | 0 تعليقات

أمل:

يومان هما ما تبقيا لي على قيد الحياة، لأصنع فيهما عطري الخاص- عنوان كبريائي، ولأزرع شجرة زيتون على هذه الأرض الطيبة. يومان على قيد الحياة كافيان جدا لأنسج حلما رائعاً. أحلق به في الأعالي مع أطيار السماء؛ أنشر جناحيّ وأنساب في لطف النسم. يومان كافيان أيضاً لإثراء عقلي بمعلومة من كتاب أو قصيدة للشيرازي أو الخيام، ويدي لريّ ياسمينة صغيرة، وأناملي لمداعبة كائن لطيف.. كوردة بيضاء أو فراشة ملونة وعصفور. 

 

قيل لي: “تبقى لكِ يومان في الحياة”. كنت قد ذرفت أنهارا من الدموع، فلم يسعني بعدها إلا أن اُسقط دمعتين أخيرتين، ووابلاً من الابتسامات لأصنع بها عالما جديدا يُبقيني الزمن كله على قيد الحياة. لن يستطيع شيء أن يحدد عمري الذي أرجوه، فنفسي لا ترضى إلا أن تبقى الدهر كله مستمرة في الحياة. سأرسمُ الآن لوحة غنية بألوان الوجود أوقعها باسمي.. ثم سألتقط صورة لآية شعرية من سورة مريم وأزخرفها كلوحة فنية نادرة، ليبقى اسم الله حيّا في قلبي وإن توارى جسدي في التراب. سأبني بعدها عشاً في شجرة الدار لكل طير تائه، وأكتب مقولة عن أمل البائسين علّها تثير ابتسامة المكروب الحزين. لن يسعفني الوقت الباقي لتأليف كتاب.. لكني سأكتب حكاية قصيرة للطفل الباكي، وأضيء شمعة لعليّ أنير بها عقول الأطفال، وأحمل الفرح إليهم إلى أبد الآبدين.

 

وفاء:

كنت ذات حين شجرة مثمرة، على أغصاني عُلقت الأماني، وعلى جذعي حُفرت أحرف وذكريات، وتحت ظلي هنا جلس جسد واستراح، وتمدّد آخر فغفى. رميتُ ثمرة ناضجة لطفلة حلوة، واحتضنتْ أوراقي رأس أمٍ رؤوم، عشقت دُوريا وسامرني صوت كناري تيمته الأغاني. اجتثوا بعضا من جذوري، وحرقوا بعض أوراقي وأفناني، ولا زلت شجرة على أغصاني تُعلق الأماني وعلى جذعي تُحفر أحلى الذكريات.

 

عطاء:

كالريح.. كنت أجري بنصف جسد أحمر، والباقي من طين الإله، قابضة يدي بقوة كي لا تُفلت ما فيها، والسماء تنْهَلُّ منها القنابل، ومن خلفي جيش من رصاص. تعثرتُ ثم نهضت وأكملت عدْوي كما الطير الجريح، وأنا أستجدي السماء ليبقى لي ما في يدي فلا يضيع.. سقطتُ في فناءٍ من تراب وطوقتني جموع من حديد، أيديهم كالمناجل ورؤوسهم كالفؤوس. حفرتُ بأصابعي التراب وخبأتُ ما حملته يدي “بذرة ليمون”، ثم سكبتُ فوقها ماء من دموع العين، ورحلت ومن بعدي نبتت في الأرض شجرة ليمون مثقلة بالثمار.

 

عظمة:

سمعتُها تضحك بعد طوافها بين القبور، قالت لي الروح: اغسل روحكَ في النهر خمس مرات، لا تحمل سلاحا، لا تبغض عدوا، صِلْ مودتك بكل إنسان واحملِ الخير للجميع، يكن كل الخير في قلبك، وتكن فوق التراب عظيما.. كذلك تحت التراب تكن عظيما من جديد.

 

رجاء:

رباه 

أنت تعرف قلبي وتعرفني

بل أنت اعلم بي مني 

أسيرة أنا بفيض كرمك

أضع حلمي على جناحٍ طائرْ

ورجائي أضعه كمدِّ السماء بين يديك 

حبا وأملا ورجاء وطمعا بعفوك

استودعتك كل الأماني وبوح قلبي ووجداني. 

 

إنسانية:

همست لي نفسي: “امضي” على هذه الأرض بعقل الشيوخ وروح الأطفال.

 

مفعمة بالأمل، والعفو، والرجاء، والعطاء، والعظمة، والإنسانية.. جميعها خيوط من نور تتسلل إلى قلبك لتصنع النور الأعظم، وتقودك إلى الحب.. فحيث يكون الحب يكون الإله.

 

 

إيناس ثابت - اليمن

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبلغني عبر البريد عند كتابة تعليقات جديدة.