… وتَرِبَتْ مواويل التشكيلية الحالمة
في تراتيل المبدعة الجزائرية ياسمينة وردة
أحمد ختاوي / الجزائر
إذا كانت الحركة الشكلانية من خلال روادها في روسيا: فيكتور شيكلوفسكي ويوري تينيانوف وبوريس أيشينباوم ورومان جاكوبسون وجريكوري فينكور ومن يدور في فلكهم، إذا كانت هذه الطائفة أو النزعة المذهبية الابداعية تغوص في علم الادب ومعرفيته، إذا كان المذهب أو التيار الرومانطيقي في الغرب يخاطب الاحاسيس وأغوار المشاعر وحقول التحرر ولا يخضع للرغبة المجردة كما في التيار الكلاسيكي، على لسان بول فاليري: “لا بد أن يكون المرء غير متزن العقل إذا حاول تعريف الرومانسية”.
من هذا المنبى التنظيري، تطوي المبدعة الجزائرية ياسمينة وردة مسافاتها وتركب منطادها المخيالي، فتزيح كل مدارج وعقبات التقيد لما تمليه الكلاسيكية المتحجرة قياسا مع الرومانطييقة التي تمنح للمدى وشائح الرومانسية ووشائجها….
من هذا المرفا الابداعي تحزم المبدعة الساردة والشاعرة إبداعا وشعوريا وحسيا حقائبها لترحل صوب مرافئها الابداعية بعيدا عن كل وشاح، الا إذا كان بنفسجيا أو ورديا أو قزحيا.
هذا هو مدى المبدعة الرومانسية ياسمينة وردة، التي تموقعت بشكل لافت بالحقل الادبي وكانت تختزن إرهاصات ومرتكزات بينية على لسان لغة الرياضيين.
وإذا كانت الشفافية الايحائية تطل من سنام غادة السمان كما النوق في رقصاتها، فتترنح وتتبختر السنام فيها من على هودج البوح: بوحا وتطيمنا للدلالة في أبهى تجلياتها وتداعياتها… فإن المبدعة الواعدة ياسمينة تراقص إبداعها وتغازله بتشكيل تدويري ، تنويري حسب كل حالة شعورية أو حس بنائي هندسي لديها وفق مجريات شخوصها ووثبتهم وتحركاتهم بوعي ساردة تتحكم أيما تحكم في أدوات المد والمدد اللغوين.
متانة اللغة لديها ولولبتها تكتسح أيضا بوعي: بناءها الهندسي، المعماري من نص لاخر حسب الحالة الاجرائية لكل نص وحسب كل نمط بنائي.
المبدعة ياسمينة وردة تؤثث شكلانيتها وفق مقتضيات ومتطلبات كل مرحلة زمكانية ، حيث “ترسكل” شخوصها لتطعيم أدواتها السردية بمتانة لغة وتشكيل لفظي آخاذ، يختزن مرتكزا جديرا بالاحترام على صعيد “تشبيب” كل حالة ضمن مفصليات وسياقات لغوية من وتبة شعورية لأخرى، حتى لو أقتضى الحال حالات هولامية، هستيرية أحيانا لتطعم مبناها العام، لكنها مؤثثة دوما بوعي إداركي منها لتحريك شخوصها وفق مبتغاها اللفظي، الدلالي والتنويري.
ضمن هذين السياقين والاروقة تستجيب ملكتها طوعا وانسياقا وانصياعا لهذين اللونين: شكلانية علم الادب عند الروس ومن يتبعهم في البنيوية والاغتراف من معين الرومانطيقة وأهواء ودلالات وهولاميات غادة السمان كمنهل آخر – ليس تقليدا أو محاكاة – لتوطيد أواصر بنائها السردي الرومانسي الشفاف. ضمن هذا المنحنى ترقد ملائكية وتجليات المبدعة السارة والشاعرة ياسمينة وردة .
المبدعة ياسمينة وردة ليست يوري لوتمان ولا رولان بارت ولا باشلار في فهومها ومفهومها، هي جبران خليل جبران، المنفلوطي، وغادة السمان وهي المعين الذي يغترف من معروف الرصافي، حافظ إبراهيم، أحمد شوقي، إليا أبو ماضي والقائمة طويلة، هي المعين الذي اغترف من هؤلاء وغيرهم على غرار اترابها وهي يافعة.
من هذه الانهار والروافد تفتقت مداركها وتدفقت شلالاتها، وهي التي كانت تلتهم هذه الموروتات والمرتكزات وهي ما تزال يافعة شأنها شأن كل مبدع يافع، حيث اغترفت من هذا المعين ومن معين نزار قباني وهي يافعة في المرحلة المتوسطة والثانوية، وصقلت موهبتها عبر السنين بالقراءات الاخرى لكبار الكتاب فتشبعت أيضا من منهل هؤلاء.
هاهي الان تتضح معالم ولاءاتها لجدية الحرف وترويضه، وها هي بفضل نبوغها وموهبتها الفذة تؤسس لنفسها منمنة ومناعة إبداعية متفردة في تعاطيها مع الاحداث حتى السياسية منها، نمطية بنفس السلطة الابداعية: تفردا وتميزا براهن الحقل الادبي، جديرة أيضا بالتفاف الدارسين حولها وهي مشروع نمط سلوك إبداعي سيكون له – لامحالة – شأن براهن السرد والشعر، وقد لمست ذلك كمتتبع لنتاجاتها خاصة وأنها تتميز على صعيد آخر بخصوبة مخيالها وخيالها، وغزارة انتاجها دون أن تفقد نفَسَها أو تستهلك أنفاسها ونفَسها أو تسقط في متاهات التكرار وتكرار نفسها، كما هو السائد عند بعض المبدعين ممن يرتكزون على “الاسهال” في الكتابة ويسقطون في قبو الحشو أو الاطناب.
المبدعة الساردة الواعدة ياسمينة وردة، أدركت بوعي حسي وإبداعي صادر من نبوغ متقذ أن الامر مرهون بالتجديد، وهذا ما لمسته أيضا من خلال قراءاتي لكل نتاجاتها.
هي ذي المبدعة ياسمينة وردة في هذا البورتري الاستعجالي، وهي تشق طريقها ومسارها بكل تؤدة. لا يسعني في الاخير – كمتلق – طبعا الا أن أشد أزرها، مع تمنياتي لها بوافر السداد في مسارها الابداعي الذي يبشر بخير وبمشروع كاتبة من العيار الثقيل.
ولا يسعني بالمقابل الا أن أقول لها: تربت أناملك ومواويلك، ونرجسية ترانيم البوح في إبداعاتك، نرجسيية تختزن مألا ومأمولا سيشع لا محالة كما السناء، رافعا كبرياءه الابداعية لا غطرسة ” الأنا”.
ترتبْ أنامك وتربتْ أطيافك نحو المدى الذي تنشدين، فإنه مدى يراع يحرث ويبذر الابداع بأحقية القول على لسان الفقهاء: تربت يداك…. تربت يداك.. وان شاء الله نرى عملك الروائي الذي تشتغلين عليه وهو في طوره النهائي..
0 تعليق