المراهنة الخاسرة
إبراهيم يوسف
تعقيبا على قصيدة
د. أحمد شبيب الحاج دياب
في هذا الجانب المنكود من الأرض يا صديقي، تحولت الشعوب إلى وقود لطبخات الأنظمة والحكام الفاسدين، ممن يستولدون أنفسهم بعد كل انتخاب مشبوه، ليعودوا من جديد إلى السلطة خلافا لإرادة الشعوب. “والشعب” اللبناني بالذات وتركيبته الطائفية، من أتعس وأسوأ الشعوب منذ “فجر” الاستقلال، مرورا بكل ما شهدناه من النزاعات، وَمُناتَشَةِ الامتيازات والحروب الداخلية المتواصلة. وتبقى مفردة “حرب” لا جمع لها إلاَّ في القواميس اللبنانية.
ولو سقنا مثلا أن ما أنفقه “الشعب” اللبناني، على الحرب الأخيرة بدلا من التنمية، إضافة إلى سواه من شعوب المنطقة العربية..؟ لانتفى الفقر من بلادنا ومن سائر البلدان المعنية، وانتفت معه كل حاجات الناس إلى التعليم والطعام والسكن والرعاية الصحية، وغير ذلك من مقومات الحياة الكريمة.
وكانوا بالمال المهدور وحده؛ لا بالحرب.. قد استعادوا كامل فلسطين.! فما بالك بما ينفقه “الأخوة أو الأعداء” العرب..!؟ على شراء “خردة” سلاحٍ يقتل الناس، ويقمع الحريات ولا يحرر الأوطان من حكامها.. فحسب. وبعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول: هذا السلاح إنما اشتروه ليس للدفاع عن بلدانهم بل لخدمة إسرائيل والتطبيع معها. وهكذا ازدهرت على مستوى المنطقة تجارةُ الأسلحةِ في مصانع الغرب، وعائداتها عليهم بالرخاء والمال، وارتفعت “بيننا” معدلاتُ القتل بشتى الأساليب والأشكال..!
أما الشعار القديم.. الجديد..؟ من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.. لبيك عبد الناصر؛ وبترول العرب للعرب..؟ الذي يثير التهكم والسخرية ويميت من شدة الضحك..؟ هذا البترول الذي لم يكن يوما لأصحابه..! من البديهي أن لا يكون لسائر العرب؛ وفي مطلق الأحوال، لا ينبغي التعويل على مثل هذا القول “والرجاء” السخيف.
ويبقى التعويل على “الشعب” ودعوته إلى الثورة عندنا، شعار عقيم اختبرناه لزمن طويل..؟ ما دام المهيمن على مقدرات الشعوب والأوطان، قادر “كل ما دق الكوز بالجرة” على استنهاض الغرائز من كل صنف ولون، وتجيير الشعارات والحركات الشعبية لخدمة مصالحه، وينجح دائما أن ينحرف بنا إلى طرق ملتوية تعيدنا أجيالا إلى الوراء من حيث لا نريد ولا نعلم..!
وأبلغ دليل ما حدث في العراق والحسرة على أيام صدام، وما يحدث في سوريا الشام وغير مكان ناهيك عن الربيع العربي، والتحرك الشعبي الأخير عندنا بسبب النفايات، حينما استنفر بعض أركان السلطة المحلية مناصريه المحسوبين على الجانب الوطني..! ليقمع التحرك باللجوء إلى الرفس والضرب والتنكيل والقتل، وما أريق من “بعض” الدماء “القليلة” والحمد لله.
فلا يصح أن نصدق أحدا ممن لا ينبغي تصديقهم والمراهنة عليهم بعد اليوم. سأسوق لك مثالا واحدا عن الماء والكهرباء في لبنان “سويسرا الشرق”، وأتجاوز الماء أيضا إلى الكهرباء فحسب. فقد ابتدأ تقنين الكهرباء منذ بداية الحرب الأهلية في لبنان العام 1975، وحينما توقفت الحرب الأهلية إثر “اتفاق الطائف” بعد ثلاثة عقود، كان الرئيس الحريري طيَّب الله ثراه قد وعدنا بفيض من البواخر المتخمة بالكهرباء، التي سترسو على شواطئنا لتزودنا بكل حاجاتنا من الطاقة.
كانوا يومها يقولون: لا تخافوا بعد اليوم من انقطاع الكهرباء..؟ فها هي سفن الحريري محملة بالكهرباء آتية إلينا تسدُّ وجه الأفق. كان ذلك قبل أن يتولى رئاسة مجلس الوزراء، حينما وعدنا بإنشاء محطات توليد الطاقة ليبدد ظلام البلاد، وينصف ما لحق من البغي والجور على “شعب” أنهكته الحرب.
أتى المخلِّص وأطلق وعده منذ أربعين عاما.. عمر إنسان بدأ يتجاوز مرحلة الشباب، ولا زلنا “على الوعد يا كمُّون” كما يقول المثل الشعبيّ المأثور، وفي إحدى الجلسات التي عقدها مجلس الوزراء ليس منذ زمن بعيد.. تقرر تحسين ساعات التقنين بالعودة إلى نغمة البواخر، وعلينا مرة أخرى انتظار عشر سنوات إضافية، في الاعتماد على الطاقة البديلة التي تنتجها البواخر لتخفيف تقنين الكهرباء؛ بانتظارٍ ملتبسٍ وموعدٍ غامض مخيب للآمال، لم يحددوه بعد في إنشاء المحطات الموعودة. وهذا يحدث في زمن الإبن الوريث رعى الله شبابه، وأطال عمره وسدد خطاه لما فيه خير البلاد والعباد.
فأين كان يا صديقي هذا “الشعب” مختبئا خائفا مهانا جبانا طيلة كل هذه السنوات..؟ ومتى سيصحو من نوم أهل الكهف، وتُحَرِّكَهُ أناشيد الثورة وهتاف الجماهير؛ وأنا “الشعب”..؟ وهل تصح المراهنة من جديد أربعين عاما أخرى على: إذا “الشّعبُ” يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ ..!؟ ولو أنه لا يعنيني كثيرا نضال الشعوب وإرادتها في غير مكان، ما دامت بلادنا ترزح تحت نير الجهل والتبعية والاستغلال، بوحي مما قاله أنطون سعادة: إذا لم تكونوا أحرارا من أمة حرة..؟ فحريات الأمم عار عليكم.
استشهد الرئيس الحريري بفعل مؤامرة المتضررين من رخاء البلاد، وبات الرجل معذورا حينما انقطعت أحلامنا بعد استشهاده بالحصول أقله على طاقة الكهرباء. عسى أن يتولى تحقيق أحلامنا ابنه ووريثه الشرعي في كل شيء وأهمها رئاسة مجلس الوزراء، ولو بعد أربعين عاما بالتمام والكمال..!
من يعش ربما سينعم بنور الحفيد..!؟ الله وحده هو الخبير العليم..!؟ المغفرة والرحمة على روح الأب الشهيد، وأطال الله في عمر الوريث وسدد خطاه في فيض من منافع الهندسة المالية، التي اعتمدها مصرف لبنان يفكُّ حاجته للمال..؟ فأنت وحدك يارب مع حاكم المصرف قادران على كل شيء.
وبعد أرأيت بأم عينك يا صديقي..؟ كم توَّسلنا إلى الحريري الإبن رئيس مجلس الوزراء، وكيف جنَّدنا العالم بأسره ليعود إلينا سالما ويعود عن استقالته، ليجنبنا حربا أهلية كانت تلوح “بشائرها” في الأفق بفعل الوعي العظيم الذي يتمتع به “الشعب”..!! وكم طبَلنا له وزمَّرنا بعدما تكرَّم علينا وقبل التمني بالتريث في تجميد الاستقالة، لتكون هدية كريمة للبنانيين في عيد استقلالهم المجيد.. ذلك هو بلا شك ما كان يعنيه، الحسن بن هانىء كرَّم الله وجهه وهو يقول: “وداوني بالتي كانت هي الداء”..!؟ “أو؛ من دهنو سقِّيلوا” كما يقول المثل الشعبي عندنا.
مهما يكن الأمر معقّدا وصعبا، وعوضا عن كهرباء الحريري أو الدولة..؟ فاللبناني المسمّى “بالشعب” العنيد، “شاطر وحربوق” حينما لجأ طيلة أربعة عقود، والعقد كما تعرف عشرة أعوام وتكون الحصيلة أربعين سنة بالتمام والكمال، ونحن نستعيض عن كهرباء الدولة بالمولدات، تتوزع في كل زاوية من زوايا الأحياء الفقيرة، التي لا يعوزها لَحْسُ المبرد، والمزيد من التلوث والسموم وأول أوكسيد الكربون، تطلقه عوادم المولدات في الليل وفي النهار ينال من صحة الناس، ويفاقم أمراض الحساسية والربو.. ومرض السرطان بلا ريب.
وبعد.. فاسمعوا وعوا أيها العرب والعجم؛ واسمعي يا أمم..؟ سوريا الشام التي تغرق في دمائها منذ سبع سنوات تعرض علينا خدماتها لتزويدنا بطاقة الكهرباء بسعر الكلفة وربما بنصف الثمن.. هل تسمعون يا هوه ما آلت إليه أحوال الناس في لبنان- سويسرا الشرق..!؟ تبا لنا والبِلى لساستنا وحكامنا المرتكبين الفاسدين. “أختك على أختي على أخت” هذا “الشعب” الأهبل ونحن من هذا “الشعب” المتخلف المهزوم. فشة خلق ليس إلاّ.. ما تزعل مني حبيب قلبي.
قزَّموا هذا الوطن الجميل لينخره الفساد من كل الجهات، حتى أمسى عظاما بلا لحم ولا شحم أو دماء.. بفعل أمراء الحرب ممن واكبتُهم وأعرفهم بالأسماء؛ من زمن الأندلس وحتى اليوم..؟ فلتسكتْ يا صبيِّ ودَعْكَ من التعرض للمقامات وطول اللسان، فلن يرد عليك أحد أو يكترث لشكواك؛ وربما يقول: من يكون هذا الدَّعي- الخرا..!؟ أتوسل إليك مرة أخرى أن لا تزعل مني يا صديقي، وأن تعذرني على بذاءتي وهذا الكلام الوضيع، الذي يفش الخلق فيؤلم.. ولا يفيد.
ولا يتبادرنَّ إلى ذهنك أنت يا صديقي خارج البلاد، وتتصور أن الأزمة تقتصر على الكهرباء وحسب..!؟ بل تتعداها إلى الماء.. ماء الخدمة والشرب وصنين الثلج واليمونة وماء “الكْوَيَفْ”، والمخدرات يزرعها “الشعب” على عينك يا تاجر.. ولا يتلفونها له بل يقطعون عنا المياه لري “المزروعات” الحلال، فمن سيحاسب من..!؟
أما الضمان الصحي ومن يموت على أبواب المستشفيات، فحدث ولا حرج والأمثلة لا حصر لها في مكاتب القضاء ونقابة الأطباء، والطرقات والسكن وقانون الإيجارات، والتعليم وكل أنواع الخدمات بلا استثناء. “من طق طق إلى السلام عليكم”، وأشرسها أزمة الأخلاق وضمائر معظم الحكام المرتكبين الفاسدين، ممن تولاهم الخرف وأصابهم العفن يجددون لولايتهم ثلاث مرات على التوالي بلا خجل، ويستولدون نفوسهم مرة كل ست سنوات بفعل قانون انتخابي فاسد، فصِّل في زمن “الأخوة” السوريين على قياس الرجعية والإقطاع.
قانون الستين.. أو ما يعرف بقانون المغفور له “غازي كنعان” جاء بهم إلى السلطة، ليعيثوا فسادا في البلاد والعباد.. ولو فُصِّلتْ أثوابُ الناس على قدر ضمائرهم لرأينا “الشعب” بالشورتات ورأينا كثيراً من حكامنا الأشاوس عراة حتى من ورقة التين. الرحمة على روح سعيد تقي من استخدم هذا التعبير، منذ عقود طويلة ولو من زاوية مختلفة، وهو يسلط النور على أحوال ما كان.. وما أحلاه ذلك الزمان.. زمن فؤاد شهاب والمكتب الثاني وأكلة الجبنة، والاستخبارات المستبدة بالناس من عباد الله الراضين القانعين. ومن يعشْ يا صديقي يرَ مفعول القانون الجديد..؟
لمناسبة عيديّ الميلاد ورأس السنة العام المنصرم، منذ زمن لم ينقضِ عليه وقت طويل، كنت متوجها إلى مكتبة في الجوار أشتري منها بطاقة بريدية، عن لبنان الأخضر بأرزه ورمزه الخالد وسهوله وأنهاره العذبة الملوثة، وجباله المكللة بالثلوج التي تناطح قممها أعالي السماء، فأرسل البطاقة التي سأختارها بعناية عالية إلى صديق من بلاد الإفرنج، تعرفت إليه في رحلتي الأخيرة إلى إيطاليا.
قلت أباهيه بالبطاقة عن تراثنا وطبيعتنا الخلابة، وتاريخنا المجيد الحافل بموروثنا التاريخي العريق من “التبولة والشيش برك والكبة بالصينيّة والبابا غنوج.. والعرق المتلَّت المكفول “، بما تكاد لا تبين إزاءه حضارة إيطاليا من أولها إلى آخرها.. بل خسئت حضارة الدنيا بأسرها. هكذا “سأستر” وجهي ووجه ابني الذي يحمل جنسية تلك البلاد. فقد تخرج من جامعاتها منذ أربعة عقود أو زمن أزمة الكهرباء، ولا زال يعيش غربة قسرية بسبب الماء والكهرباء، وظلام الوطن الدامس وفرص العمل غير المتاحة في هذه البلاد، وإذا ما وجدت فتقتصر على أبناء النافذين وأصحاب رؤوس الأموال وحسب.
من يدري..؟ ربما آثر البقاء هناك متنازلا عن هوية بلاده وميراثه في أرضه. تلك البلاد التي رعته وعلمته إبان حربنا الأهلية ربما كانت أحق بأتعابه من بلاده، التي لفظته إلى الخارج بسبب إدارتها المقصرة، وساستها الفاسدين ممن أشعلوا حربها الأهلية وأذكوا نيرانها، بفعل تآمرهم أو غبائهم لا فرق، وفي النهاية عادوا من خلال طوائفهم ومصالحهم، يستبدون بكل مفاصل البلاد ويحكمونها بلا حسيب أو رقيب، بعيدا من إرادة “الشعب” وسلطته المدعوسة.
مهما يكن الأمر فقد غيَّرت فكري، وأنا في منتصف الطريق إلى المكتبة، وعدلت عن رأي وعدت إلى بيتي..؟ وقلت في نفسي تبا لهذا الوطن..!؟ لن أرسل البطاقة لأنتقم من جبران النبي وإيليا أبو ماضي صاحب الطِّين، وزكي ناصيف ووديع الصافي وفيروز وصباح، والرحابنة وحليانة الدنيا حليانة بلبنان الأخضر؛ ما دمت من سائر الناس المغلوبين، ولم أكن يوما من أصحاب الأموال والمقام المرموق، مقامات المراجع الدينية النافذة المترددة بين الحلال والحرام، أو أصحاب المواقف والأفكار المتأرجحة بين الرضوخ أو التمرد والاعتراض. بل كنت ككل المُتَهمين المُهْمَلين على الدوام، ممن لم يمثلوا الادّعاء العام في يوم من الأيام.
هذا الوطن أو هذه الخربشة على الخريطة التي لم تعد تعنيني، ولا يربطني فيها إلاّ الحذاء، أتنقل به على سائر الطرقات وحيثما أشاء حتى في الوسط التجاري “الأرقى”؛ الوسط المغتصب بقوة السلطة والاحتيال، ودليلي على ذلك أقرب الناس إلي، ابنة شقيقي سلبوها في هذا الوسط ميراثها من زوجها الذي قتلته الحرب..!؟ وهكذا أحسست بالنقمة على هذا الوطن وقلت في نفسي: ما دمت من أول المتضررين وآخر المنتفعين بخيرات “سوليدير”، والحصول على أبسط حقوق المواطن الشريف الذي يسدد ما عليه من المستوجبات، ولا يحصل على فتات الحقوق.. فقد عدلت عن رأي في إرسال البطاقة وانتهى الأمر.
أما وقد خصصتَ القصيدة يا صديقي بالإشارة إلى “الشعب”..! فإليك الرابط التالي من صوت “الشعب”: سيسليك قليلا وتجد بعض الراحة في الاستماع إلى المضمون، وربما تقتنع بوجهة نظري في حكمي على “الشعب”. وإذا كان من رهان حقيقي في المستقبل فعلى الوعي أولا، ويقظة الناس أو “الشعب”؛ كما يحلو لك أن تقول.
https://www.youtube.com/watch?v=cP9VOp5rK6g
وبعد؛ فأنت يا صديقي ممن عاصروا محمد عبد المطلب؟ من الأصوات المصرية الرخيمة في دنيا الغناء، تعوَّده الجمهور في الحفلات العامة بقامة عالية وطربوش أنيق يزين جبينه العالي ورأسه المرفوع.. لكنني لا أدري ماذا دهاه يوماً حينما لجأ إلى ربطة عنق فاقعة الألوان، ليعلو المسرح ويغني عاري الرأس، وقد تخلى عن طربوشه الأحمر المهيوب..!؟
لم يكد يبدو في الزيِّ الجديد، ويباشر إداء وصلته في الغناء، حتى بدأ المشاهدون من جمهوره ينسحبون.. حتى خلتِ القاعة من حضور المستمعين، ولم يبقَ فيها إلاّ الفرقة “والمطرب” المغنِّي. وفي اليوم التالي ضجَّتِ الصحف في التعقيب على الموضوع، لتدعو عبد المطلب بالتخلي عن ربطة العنق والعودة إلى الطربوش.
مرة أخرى تصور معي يا صديقي ياسر عرفات، يتخلى عن الكوفية الفلسطينية ويستبدلها بربطة عنق مبتكرة من أشهر دور الأزياء، وهو يحمل بين يديه البندقية ومعها غصن الزيتون، ويخاطب العالم من على منبر الأمم المتحدة..!! وتصور بهية المصرية تلجأ إلى القبعة الإنكليزية، وتتخلى عن المنديل البلدي المطرزة حواشيه “بالدانتيل” والخرز الملون..!!
أنت صديق وغال عندي أكثر مما تتصور يا دكتور أحمد.. فاسمع مني ودعك من “كرافات” عبد المطلب وعد إلى الطربوش؛ ثم تمسك جيدا بكوفية “أبو عمار” ومنديل بهية ابنة النيل المصرية، ودعك من ميشال عون رئيس الجمهورية.. اللبنانية، الرئيس القوي رائد التغيير والإصلاح، ومعه جمهور واسع من “الشعب”، والمحيطين به ممن تغيروا كثيرا، ولم يغيروا إلاّ شربل نحاس..!
عزلوا الرجل دون ما احتجاج أو اعتراض أو تضامن أو أسف من “الشعب”، أو بقيا من أحد ممن خلق الله من البررة الأوفياء..؟ أقله من المتضامنين المحسوبين على جناح المقاومة؛ والفداء..! شربل نحّاس مثالٌ ليس إلاَ؛ بسبب نظافته ووعيه ومناقبيته لن يتجرأ لاحقا، أي رئيس أو حاكم أن يكلفه بأي منصب جديد.. شربل نحاس انتهى من الساحة السياسية إلى الأبد. تخبزوا بالأفراح، وكل عهد وأنتم بلا كهرباء. أنا يا صديقي لا أقسم إلاَّ عندما أكذب، ويجب أن تصدقني أنني لا أعرف الرجل إطلاقا.. فأنا “متوالي” وشربل نحاس يمكن ماروني لا أعرف والله.
انتهيت من حديثي عن الكهرباء فحسب، ولم يستوفِ الموضوع حقه بعد. لكنني لن أرهقك بمطالعات أخرى عن الماء الزلال في الليطاني وفي بلاد الماء وسائر الأشياء. فدعك يا صديقي من كل هؤلاء ودعك من “الشعب”.. وعد بنا إلى عطر المبخرة في ذلك الليل الطويل، وإلى صديقنا حميدان وأختنا البدوية الحسناء. أو فلتعد بنا مجددا إلى الرياضيات التي تعرف جيدا كيف تخدم الغلابى من أبناء “الشعب”.
ويبقى الختام في الجانب الشعري من القصيدة..؟ فانتظر مني مقالة أخرى بهذا المعنى. أرجو ألاّ أتأخر كثيرا في إعدادها ونشرها. فحتى ذلك الحين كن دائما بخير، وترفق قليلا بهذا “الشعب” المنكود، الذي يشتهي لقمة العيش والمُسْتَهْلَك من بالات الثياب، والسراويل المستوردة المهترئة وغير المرقوعة من الخلف.
عزيزي الدكتور أحمد..ما رأيك بهدنة تتوقف فيها عن الكتابة في الشعب وأحوال والبلاد..؟ وتكتفي بكتابة قصائد في حسن القمر والزهر ونور الحب و روعة الحياة..أو نصوصا في العلوم والزراعة والبيئة والفنون؟ فإني أخشى عليك ثورة صديقك..وأخاف على قلبه الرقيق من الأوجاع.
الصديق الأستاذ ابراهيم يوسف
تحيةً طيّبةً وبعد:
فوالله لوطلبتُ منك وألححتُ أن تكتب تقريراً مقتضباً عن حالة الشعب اللبناني وما يعاني منه من مشاكل ومصائب وويلات، قصد الافادة والتوعية، لما استجبت و لقلت لي: دعك من هذا يا صديقي ولنعد إلى ما كنّا عليه من نثر أهل الأدب وشعرهم وابداعات أهل الفنّ والموسيقى!
ولكنك- ولله الحمد – تفضّلت علي بمقالٍ رائعٍ يتألّف من 2133 كلمة، بدون العنوان، من أجمل وأصدق وأوضح وأهضم ما قرأتُ عن هذا الشعب الذي لا يمكن لأحدٍ أن يضعه بين مزدوجين؛ فهو حصانٌ بدويٌّ لا تسرجه الدنيا؛ مَثله كمثلِ جسد الشاعر مظفّر النوّاب، أطال الله بعمره: ” كلّ زناة التاريخ وكلّ القديسين هنا إرثٌ في جسدي”.
أمّا في ما أتّفق به معك فهو بمعدّل 83.5% ،وبالحرف الواحد، بقي لديّ 16.5% عرضةٌ للنقاش.
منها ماهو خطأ أخذته عليك بالمبدأ، أدعوك للعودة عنه،
ومنها ما هو صحيح بالمبدأ، و لكنك تتهم به، زوراً وبهتاناً، بعض الشخصيات التاريخية أو المعنوية؛
والبعض الآخر ما تلصقه بي- يا صديقي وابن بلدتي ومن أتشجّع به في هذه الحياة- وأنا منه بريء، وعنه بعيد، قولاً وفعلاً، نثراً وشعراً.
كما انتظرتك يا عزيزي انتظرني، سأوافيكَ،
سأوافيكَ بردّين: الأول على “مراهنتك” الخاسرة هذه! والثاني على “ذلك اليوم الحزين”.
أليس الصبح بقريب؟
مع خالص محبّتي
أحمد-شبيب
إلى الصديقة الغالية
الكاتبة الأديبة إيناس ثابت
تحيةً طيّبةً وبعد:
تقترحين الهدنة وسط المعمعة!
قولك على الراس والعين،
والسبيل الذي تدعين إليه هو السبيل! وخير سبيل!
كمّ أتمنّى أن أتفرّغ -بعض الوقت- لكتابة:
“قصائد في حسن القمر والزهر ونور الحب و روعة الحياة.”
وأتوقّف “فيها عن الكتابة في الشعب وأحوال والبلاد..”
وهنا اسمحي لي أيتها السيدة الأديبة أن أوضح موقفي ورؤيتي
فأنا لست بسياسيٍ أكتب عن الشعب وأحوال البلاد،
ولا أتابع نشرة الأخبار إلّا نادراً.
ليست صورتي كما يروّج لها صديقنا الأستاذ ابراهيم، حماه الله؛
ولكنّي أنظر للبعيد في الأبعاد الأربعة التي فطرنا الله عليها وتمكّنا من تصوّرها.
الشعب عندي لا دولة له فأقول الشعب اللبناني مثلاً،
وإن كنت أحب هذا الشعب العظيم ولو كره اليائسون!
شعبي لا حدود له في المكان ولا في الزمان.
أخاف أن يسرقوه منّي.
يسرقون الدبكة والأزياء والأنبياء والموسيقى!
يسرقون منّي الربيع والقمر وزهر البنفسج،
وأبكي على الفرقة والغياب،
فهذي فلسطين حرقةٌ في قلبنا ما بعدها حرقة،
ولبنان نبكيه كلّما هبَّ الهوا …
أوتدرين يا صديقتي الغالية أنهم قتلوا نهر الليطاني
وجعلوا فوق بيروت غيمةً دائمةً من المازوت الأسود؟
أو تعلمين يا ابنة الكرام أنهم يمزّقون شعبنا بالطائفية خدمةً للطامعين بأرضه؟
وحالي مع لبنان الحبيب كحال ابن زهر الأندلسي صاحب “أيها الساقي”:
“غُصْن بان ٍ مال من حيثُ استوى
بات من يهواه من فـَرْط الجوى
خافقَ الأحشاءِِ موهونَ القوى
كلـّما فكـّر في البـَيـْن ِ بكى ويحَه يبكي لـِمَا لم يـَقـَع”
وأنا أبكي لما وقع وما لم يقع!
مع ألف تحية وزهرة بنفسج
أحمد-شبيب الحاج دياب
الأستاذ الصديق العزيز إبراهيم يوسف
ترفق بنفسك وأحوالك ياصديقي وترفق بنا..لبنان جميلة بأهلها الكرام من أمثالك وأمثال صديقك.
انفض عن صدرك الهموم ..استرح وانسى الأرض وذب في غناء الناي وحلق معه إلى عالم الملائكة الأبيض.
https://m.youtube.com/watch?v=3KBB_OdTI8c