كان النسيم العليل، يداعب أسماعنا يواكبه صوت أمواج البحر الهادئة على الشاطئ الرملي في الإسكندرية، وضوء القمر ينعكس على صفحته، لكأن البحر يستقطب جمال القمر ليزداد جمالاً على جمال، والضوء يتماوج صعودًا ونزولًا مع حركة الأمواج، في رقصة يتحد الضوء فيها بالظلام، كما يتعاقب الليل بعد النهار ، أو كرقصة صوفية تتجلى فيها روحانيات العشق بأبهى المظاهر، حين كنت أجلس على شاطئ البحر، مع مجموعة من الزملاء والزميلات، نحتفل بنجاحنا في
نهاية العام، وبدء عطلة نهاية العام الجامعي، عندها ضبطتُ زميلي “كنان” ينظر إليّ كأنه يتجسس على عيني، لم أدرِ منذ متى وهو يراقب عيوني، وعيناه غارقتان عميقًا في عينيّ، شعرت أنه منذ أمد طويل يتأمل ملامحي ويبحث عن ذاته في نفسي، وحينما التقت عيوننا أزاح بصره وكأنه اكتشف تساؤلاتي ليهرب مني، فأزحت بصري عنه وأنا أشعر أن نظراته لم تزل في داخلي، وبعد فترة قادني فضولي ناحيته مرة أخرى، وكان ما توقعته وقد خفق قلبي حينما تبادلنا النظرات مجددًا، وهكذا ساعدت شاعرية الأجواء على مولد شيء ما بيننا
اقتربت مني إحدى الزميلات وطلبت أن أرافقها بالسير إزاء الشاطئ، نهضت واتجهت بصحبتها بخطوات مترددة، كان يلزمني بعض الوقت والهدوء لابتعد من أمام عينيه، فأعيد توازني واستجمع قوتي بعد أن زلزل أركاني بنظرة، اقتربت من الأمواج وانا اشعر أن لديّ القدرة على أن أمشي على مياه البحر، انحنيت ومددت يدي أريد أن اسكب البحر في قبضتي، فيمضي البحر من بين أصابعي لأعمد حبي المولود، قد يكون القمر قارن الثريا في تلك اللحظة، جالبًا الحظ وثراء المشاعر، نهضت وأكملت المسير على الشاطئ، وحين وصلنا لنهاية الشاطئ وكان علينا أن نعود أدراجنا للبداية، استدرنا فوجدناه يمشي وصديقه باتجاهنا، ابتسم لي وانضم إلينا وتحدثنا سويا إلى ان عدنا للانضمام لباقي الزملاء والزميلات،
في نهاية السهرة أخذنا الصور التذكارية، التي وثقت نظراته في قلبي وعيوني للابد.
مرت الأيام فلم يغب عن بالي لحظة، كنت أتابعه من على ” الفيس بوك” لكنه كان صامتًا، لا يكتب شيئا، فكرت أن أبدأ أنا واكتب عن مشاعري، في الفضاء الأزرق الفسيح مجال كبير للكتابة، وللتملص مما كتبت، خاصة وأنا معروفة أنني نشطة على ” الفيس بوك” كتبت: تبتسم عيناك
فتخجل نجمة الصباح
الساقطة على مرايا البحر
فجرا يأتيني حبك
حاملا ألف نجمة
يسابق الأمواج
ليعانق رمل الشاطئ
ألا ترى غرابة الأمنيات
وهي تعد لي ذكريات الغد!
تخبئ بسمتك في الأعماق
وتمضي اليك بلهفة المشتاق
سأترك قلبي على ظهر موجة
بين يدي الريح
موجة دافئة
وحلم عابر
والف ألف امنيه
تختصرها عيناك
ضغطت على زر النشر وأنا اسمع خفقات قلبي، أبوح بمشاعري لكل الناس، وأتحسب ردة فعل قد تُوصل ما بقلبي لخافقها، وما اصعب أن تصل لغير ساكنها، يتأثر ويلين قلبه، ومنّ سكن قلبي لا يسمع خفقاته، ولا يثيره همساتي الخافتة، التي تشاكسه، غريب هذا الفضاء الأزرق، سماء واسعة يُغرد عصفور لوليفه، يشنف الآذان في أعالي السماء وعلى الأرض، وما اقسى أن لا يدرك الوليف الإشارة، مرت ثلاث دقائق قبل أن يضع ” أحببته” وللكلمة ألف تفسير، هل احب المشاعر؟ أم احب الكلام؟ أم احب كاتبة هذا الكلام؟ حيرة سكنتني وشوق فاق تحملي، فكتبت على الفور: أضاء نجم حبنا فجأة
وقادنا لمسار لم نألف له دليل
اتبعت القلب
مرغما أو طائعا!
حل الصيف
ولبس البحر إشراق وجهك
وثار لنبضك
أتيتني وفي بالك ألف سؤال
وكان جوابي في حيرة عينيك
لم تولد أمانينا سفاحا
ولم تتخطَ المعجزات
كنت في انتباهه حلما
خلسة تبادلني النظرات
فلا تكلني لشرودي
وضمني بخافقيك
اليوم وغدا واصنع لأجلي المستحيل
ورتب العمر من جديد
واتبع عينيك
عيناك اصدق منك
عيناك منارة القلب
عيناك حلم المسافرين بالليل الطويل
ومرسى الحياة
وانتباهة الزمان
عيناك قبلة القدر على جبين الروح والقلب
وترقبت “أحببته” من جديد، لكنه لم يعر كلماتي أي اهتمام، نمت تلك الليلة وأنا أنتظر أن يُغير رأيه ويعطيني إشارة ولا يتركني لحيرتي، أنشر مشاعري في الفضاء، كما يغرد العصفور في السماء، لا أحد يعرف لغة الطيور، ويميز صوت حزن العصفور من صوت سعادته، كلاهما تغريد بالنسبة لنا.
لقد ترك قلبي في المنتصف وذهب، ذهبت إلى البحر وجلست على كرسي على الشاطئ، كنت وحدي، أسمع أصداء أنفاسي، أوقد من لوعة الفراق شموع انتظاري، أترقب وقع خطواته، يهزمني الوقت.
ستشرق الشمس بطلته يومًا، عساه قريباً، ستشرق ليس دفعة واحدة، هالات بِشر تسبق خطاه، ثم تتسلسل خيوط بسمته لتعقد شَّغَافَ قلبي.
حين يكتمل قدومه ليته يطيل النظر في أعماق روحي، فقد اِشْتَدَّ بِي الجَوَى.
وبما أنني لا اؤمن بالصدفة، اتصلت بزميلتي رهف وهي مولد الشلة، لا يمر لقاء إلا بتنظيمها، وكانت خيبتي كبيرة حين عرفت أنها مسافرة لأهلها في طنطا، وفي معرض حديثنا عن أخبار الشلة، عرفت منها أن كنان سافر ليمضي العطلة مع أهله بفلسطين.
لقد سافر بلا وداع، وكأنه لم يقذف بقلبي حبه جنينا يحتاج رعايته، وليُسقى من عينيه، في كل صباح استيقظ مع اشتياقي، متى أرى وجهه ليزول هذا الحزن، قلبي يحترق فهل تعود تلك الليلة ويجلس من جديد، وتعانق عيناي عينيه، ويطل كبدر في ليلة التمام يُطل من بين الغيوم، كلما أتذكر نظراته المفعمة بالحب، أشعر بكرم الحظ معي، مشينا سويًا على الشاطئ كانت تعزف لنا الأمواج حكاية عروس البحر والصياد، لم يمسك بيدي بل امسك قلبي وراقص أصابعه على دندنات نبضاته، سرى في شراييني، وما يزال اسكرني حبه حد الثمالة، ومع ذلك كنت أخاف أنني واهمة هي لحظات ابني عليها أمالي وأحلامي بلا أساس، رحيله المفاجئ وَرّث
فراغاً لروحي لا يملأه انشغال، هناك فجوة سحيقة ارتطم بها كلما حاولت الهروب، أعبئ وقتي بالأعمال لعلي املأ هذا الفراغ، واقطع تفكيري بسوداوية الأقدار.
هو أكثر من فراغ، هو غربة تشتت أركاني، لا أعرف أين تقودني، أنا غريبة عن نفسي، كل مرة اعتقدت باني وجدت نفسي، أجدني أكثر تشتتًا، ابحث عنه لأركن للاستقرار، اقطع حبال القلق الممتدة بلا أول ولا آخر، أتذرع بإثارة هموم ظاهرية، وأوعز اليها أسباب هذا الفراغ، كل ذلك بلا جدوى.
حياة زائفة صلدة، توجهت إلى ” الفيس بوك” وكتبت”
طيفك يستوطن ذاكرتي
يًجلي أوجاع روحي
ويتيه بي في مركب
تقوده الريح
وسواء وصلت أم هلكت
سأبقى غافية في حضن المحال
تهدهدني أمواجا تصنعها يداك
انت مدي وأنا جسرك
أغمض عيوني
على جفاف العالم
وطيفك يكفيني
عندما تقف على الشاطئ
تذكر أنك وذاكرتي توأمان
وفي عينيك
انعتاق فجري وليلي
وميلاد النهار
قدمي تمشي إليك
والسوى في عينيّ
سراب
في الدرب
مدينة من زئبق
وبحر من هلام
فبدد الظلام عن وجهك
وما يعتريه من الضباب
في الشرق وفي الغرب
مهما ارتفعت الريح
وابتعد البحر
وانحرف الشراع
مالي بديل عن سواك
وشاركتها على القصة، شاهدها على القصة كما توقعت ولم يتفاعل بأي إشارة، كنت استيقظ كل صباح انتظر أن أجده يكتب على حالته مسافر إلى مصر، وطال انتظاري، كنتُ أجن حين أتخيل أن له حبيبة كانت تنتظره في وطنه، ويعيش معها الآن أجمل الأوقات، يمسك بيدها وتدنو من أنفاسه، ويتبادلان النظرات، وتحظى ببسمته التي تتسع على شفاهه، وتهدل جفنيه بسحر رقيق.
كان أسمر طويلا، فلسطيني يتميز بِالأَنَفَةِ وتشع من عينيه الثقة بالنفس، كتفاه عريضتان، يمشي وصدره مشدود، ورأسه مرفوع، يخطو بهدوء ومهابة.
يصوب كلامه بدقة ورغم ذلك لا يُعبر عن مشاعره، فلم اسمعه يومًا ينادي أحد الزملاء” حبيبي” ويسترسل في الكلام اللين الرقيق، كما نفعل نحن المصريين، أصابعه عريضة لعله في يومٍ ما كان من أطفال الحجارة، وأكسبته تلك الحجارة صلابتها، ومع ذلك كنتُ أتوق إلى لمس يديه.
استيقظ كل صباح أتصفح موقعه الصامت، ومواقع أصدقائه لعل أحدهم يشير إليه بما يدلني على أخباره.
وأذهب إلى المسنجر ألف مرة في اليوم، أراقب آخر ظهور له.
كم تمنيت أن أحادثه فقط واطمئن عليه، يومًا بعد يوم كانت تزداد مسافة بعادنا، ومشاعري وحيدة ناجيه في فراغ أوهامي فقط.
إلى أن ظهرت نتيجة العام الجامعي، كانت نتيجته ” امتياز” أما أنا فكانت” جيد جدا”وأيضًا” كنان” الأول على الدفعة، هو كذلك الفلسطيني أينما حلّ يكون في المقدمة.
المهم بالأمر أنني وجدتُ مبررًا لاتصل به وأهنئه على نجاحه الباهر، دخلت إلى اسمه في الموقع، ضغطت على زر إرسال رسالة بأصابع يدي اليمنى الراجفة، بينما كنت أمسح عرقي الذي يتصبب من جبيني بيدي اليسرى، كتبت له ” مبارك كنان” كان على الجانب الآخر حينها حيث تحركت تموجات تدل على ” جاري الكتابة” نقاط تتموج كموج البحر العميق، لا تدري نتيجة تلك التموجات، مع أنك تعرف كل الاحتمالات.
رد: الله يبارك فيك، ومبارك لكِ أيضًا.
تحادثنا قليلًا بأمور عامة، انتهت محادثتنا بوجه ضاحك، تنهدت وأنا اضم الجوال إلى صدري، أتعرف كيف تكون التنهيدة؟ حين يُخفق القلب شيئا ما يَحملك إلى الغيم ويُعلقك بين النجوم، ثم يهبط بين بستان من الورود، تذهب بعيدًا وتعود بلحظة، ولا تعود أنت الذي ذهبت، شيء منك يَعلق وسط النجوم.
وفي الليل قرأت المحادثة عشرات المرات، عدت لسابق عهدي، معي نظرة ورسالة، هذا الليل الفارغ من أحلامي يؤرقني، اطوي الليالي في ظل وسائده العتيقة، التفت لاسمه العالق في ركن السرير، أتوه في التبريرات، ثم اغمض عيوني لعلي أنام.
ليته يكون هادئًا ولا يقفز إلى جفوني، ويريني وجهه مبتسمًا، ويفتح جراح الماضي، ويًقلب دفتر الذكريات، ليته فقط يبقى بعيدًا.
خرجت إلى البحر كانت السماء رماية وقد غاب عنها الضياء
مر سهم الليل اخفى حمرة الغسق
امتد اللون الرمادي على جسد البحر
امتد على قلبي بين لوعة وألم
غريب هذا المساء
وانا غريبة
في سماء رمادية
تعلق قدري على بيرق الضياء
وبين البرق والصاعقة ألف احتمال
ماذا يخفي الليل فوق قمة الغيم؟
غبشة المساء تنسدل على أمانينا
اشعل غروبك الغسق
وامطرني رماداً على جبهة الماء
غريب هذا المساء
قبل أن يحتل الوقت
يقبض قلبي
ويطويها في الرماد
حيرتي مزجت أطياف الليل
وتركتني وحيدة
أفسر خطاك على شاطئ الذكريات
وأتفقد قلبي
أين تركته؟
وأنظر بعيدًا لعلي القاك ذات صباح
لم تعد نجوم الثريا تظهر من جديد، ولم تعد تقارن القمر.
الأستاذة إسراء عبوشي – فلسطين
مع تحيتي وتحية، علي محمود طه
https://www.youtube.com/watch?v=Y0MsFUav2nI
“يا ضِفافَ النِّيلِ**** ويا خضرَ الرّوابي
هل رأيتُنّ على النهرِ فتىً غضَّ الإهابِ؟
أسمرَ الجبهةِ * كالخمرةِ في النّور المُذابِ
سابحاً في زورقٍ من صنعِ أحلامِ الشبابِ”
في الفصل الأول من رواية مشاعرك..؟
تقولين يا عزيزتي كلاما جميلا
في نثرك وفي شعرك، والرضا
المرسوم على قسمات وجهك وعينيك
الكلام الجميل يكفي ليحرك أعمق المشاعر
الراكدة… في قاع محيطات القلوب
فترتفع وتطفو ثم تعلو وتعلو.. حتى
تسبح في فضاء تدركه القلوب دون العيون
يا ضفافَ النّيلِ **** ويا خضرَ الرّوابي
هل (رأيتن) على النهرِ فتىً غضّ الإهابِ؟
سحر مثل هذا الكلام يستحق
بجدارة عالية الجمع المؤنث العاقل، كما تستحق
إنسانة نبيلة كإسراء الانتساب لأرض فلسطين
إسراء عبوشي الكاتبة الرقيقة التي
أنهكتها منذ طفولتها ونالت منها أعباء رهافتها
تقبلي مني خالص صداقتي واحترامي… وحبّي
الأستاذة إسراء عبوشي
“فوا كبدا من حب من لا يحبني
ومن زفرات ما لهن فناء”
اثناء قرائتي النص
وجدتني في خيالي أقطف ورق الورد
وأفكر يحبها …لا يحبها؟
حتى انتهت.. وبقي أريجها وعطر ما كتبته…
سلمت أناملك الجميلة.
أستاذ إبراهيم يوسف
ردك يشبه الشعر، أو أحلى
وكلامك يزهر في نفسي
ياسمينا يحمل عطره للبعيد
فيصلني أريجه
من مكاني… في فلسطين
قرأت التعقيب
وشعرت بفيض من السعادة
أنت قامة أدبية عالية
وشهادتك تعني نجاحي أول ماتعني
فلك مني المودة الصادقة
وغاية المنى.. والشكر الجزيل
قامة أدبية.. وأقطع الشارع من أوله إلى آخره
فلا أجد من يحييني في الطريق
يسعد مساك وكل أوقاتك.. ويخلي ولادك يارب
كم جميل استاذة “إيناس ثابت” أن تطرق كلماتي قلبك
وتعزف على أوتاره
تصل اليكِ
وتناجي فكركِ
كم أنا سعيدة واعتز بكِ
وبردك الجميل
دمت بود
دمت رائعة الحضور