قراءة فضائية في إحراق الطفل الفلسطيني
ليس الطفل علي الدوابشة سوى ذلك الفلسطيني المستباح من طرف عصابة الصهاينة عبر تاريخ طويل من الخروقات والاعتداءات الوحشية… تاريخ مكتوب بدماء مستباحة أمام عالم منافق اختار التفرج على همجية الصهاينة رغم تباهيه بترسانة من حقوق الإنسان… والتي يوظفها بشكل بائس في المزايدة على البعض… في حين يضعها في الثلاجة عندما يكون الأمر مرتبطا بالفلسطيني….
الغابة والبيت:
يقسم لوتمان الفضاء إلى قسمين، أولهما الغابة، التي تقع فيها وقائع رهيبة وخطيرة، وهي فضاء خارجي مفتوح لكنه خطير. وثانيهما البيت، ويكون الأصل فيه الأمن والأمان، ويتميز بالانغلاق والحميمية ويدل على الداخل. وكثيرا ما يكون ملكا شخصيا للذات (عندي/أمارس فيه سلطتي). وبين الحيزين حد فاصل، يكون اختراقه سببا في مشاكل متوقعة…
*
البيت الفلسطيني والغابة الصهيونية:
كانت أسرة الدوابشة الصغيرة (سعد وريهام واحمد وعلي) أمنة في بيتها ليلة الجمعة، لكن الساعة الثانية بعد منتصف الليل ستعرف خرقا للحد من طرف مجرمين من مجرمي الغابة الصهيونية كسروا زجاج الشباك والقوا مواد حارقة واشتعل البيت).
كسر الزجاج هنا هو خرق للحد، وانتهاك للامان داخل البيت الأمن (اشتعال النار)، والوقائع الرهيبة هي احتراق الأجساد والتي أودت بحياة الطفل الرضيع والأب…
حيوانات الغابة الكاسرة من المستوطنين هجمت على الأسرة ودمرت البيت والبشر. ولم يكتف الصهيوني بالاحتلال وتحويل الوطن الأمن إلى مكان مسلوب يخضع فيه الفلسطيني لسلطته القانونية ويفرض عليه شروطه (عند الآخر)، بل تجاوز ذلك إلى خرق القوانين التي وضعها هو نفسه ومارس الإبادة بواسطة الاغتيال لا الحرب…
ولم يكن بيت الدوابشة هو المسـتهدف بل قريـة دوما كلـها وكـل سـكانها، فمـا أسرة الدوابشـة سـوى عـينة (قربان) ليعتبر الآخرون (وهي سياسـة قديمة منذ نكبة 1948)»، وقد وصلت الرسـالة (أولادي ثلاثة وكنا نسـتعد لتـزويجـهم بعـد اسبوع وجهزنا كل شيء لزواجهـم لكـنهم الآن يشـعرون بالإحباط، ويقولون “اين نسكن لا نريد البقاء هنا»، وضعهم النفسي صعب) يقول الجار الفلسطيني الذي ساعد في إنقاذ الأم وطفلها البكر.
البيت/القرية:
لم تعد البيوت الفردية آمنة من غابة الاستيطان (نحن في قرية دوما تحيط بنا مجموعة مستوطنات يقيم فيها متطرفون يمارسون العربدة بدون أي رادع على الرغم من ان قريتنا مسالمة وهادئة إلا ان قطعان المستوطنين لم يتركوا هذه القرية بحالها. نعيش في منطقة تحت السيادة الإسرائيلية، السلطة ليست لديها أي سيادة عندنا في القرية). لذلك فكر الفلسطينيون سكان قرية دوما تحويلها إلى بيت كبير(اتخذنا قرارا بان نحمي أنفسنا بأنفسنا من خلال لجان شعبية تقوم بالحراسة ليلا) وبهذا أصبح خارج البيوت داخلا للبيت الكبير(القرية) في مواجهة الغابة /الخارج المرتبطين بفضاء الاستيطان الخانق لفضاء الفلسطيني(البيت/القرية).
وانتهاك المكان هنا يبني دلالات متعددة،فالمكان الفلسطيني هو الإنسان الفلسطيني، وبتدمير الأول يستهدف الثاني، يستهدف في أمنه وحياته ووجوده، فزرع الخوف والرعب هو الهدف السيكولوجي الأساس من اجل تهجير سكان القرى الفلسطينية، وهو تهديد لحميمية الداخل /البيت كما يظهر في إحساس هذا المواطن الفلسطيني من سكان قرية دوما (إذا أرادت زوجتي ان تخرج من غرفة النوم إلى المطبخ يجب ان أرافقها وكذلك الحال مع أولادي. نحن نتعرض لإرهاب منظم بدعم من جيش الاحتلال وحمايته).
*على سبيل الختم: يقول المثل المغربي يكوي ويبخ، بمعنى ان الفاعل يقوم بكي الضحية ثم يرش عليها الماء. وهو الفعل الذي قام به قائد فضاء الاستيطان (نتنياهو) حين قام بزيارة الضحية الأب قبل وفاته وقدم اعتذارا. لكن العائلة المكلومة رفضت ذلك السلوك الحربائي (نحن كعائلة دوابشة رفضنا هذه الزيارة وهذا العزاء وطالبنا نتنياهو ان يقوم بحماية الشعب الفلسطيني من المستوطنين المتطرفين).
ان الاحتلال الصهيوني نموذج صارخ للسلوك الغابوي (فرض منطق الاقوى)، ضاربا بكل القوانين والأعراف الإنسانية عرض الحائط. أمام صمت رهيب للدول والمنظمات الدولية التي تكيل بمكيالين في التعامل مع حقوق الانسان المتعارف عليها عالميا.
يقطع نَفَسَهُ لومضة من الزمن وسبابته على الزناد، وعندما تبدو الضحيَّة أمام عينيه ويستقرُّ مُرْشِدُ البندقيَّة على الرأس أو ناحية القلب؟ تليها انتفاضة الاحتضار في بركة من الدَّم، لا زال يسبح فيها حقد البشر وإثم مصانع السلاح.
إنه الصراع الأزلي بين الحق والباطل، بين الفطرة والانصياع لهوى النفس؛ وهو كعب حذاء (آلآن) الفتى السوري على الشاطىء يصفع وجوهنا بشدة، ويحفر عميقا في كرامة الإنسان. وهي لعنة الكاميرا التقطت صورة (محمد الدرة) يُقْتَلُ بجانب أبيه. وليست الخاتمة في غابة الصهاينة والكلاب المسعورة ممن أحرقوا الطفل (علي الدوابشة).
أما عبد الجليل لعميري فكاتب لا يتوسل الغموض، وتتسم كتاباته بالمنهجية والهدف والوضوح حد الشفافية الملفتة، ولو أنه يحظى من اهتمام القراء بالنصيب البسيط.
والله ِ يا سيدي جفت الدموع بعد أن ارتطمت استغاثة عليّ وأهله وجيرانه بجدران ؛
فتبعثرت في الهواء .!
وطن مطعون في خاصرته يترنح ، وقد استعصى علينا الدواء ..!؟
كل الشكر لك .
العزيزان محبتي وتقديري
ما يجري في فلسطين كلّ يوم جدير بأقلام نظيفة راقية صادقة
ووسائل أمينةتوصله لنا نحن المتكلّمين بالعربية وللعالم أجمع أيضاً.
السكوت جريمة تضاف إلى الجريمة الأولى.
لست من المراهنين على الأنظمة، ولا على التنظيمات العربية،
ولا على المنظّمات الدولية لحقوق الإنسان،
لأني بالأساس لا أقوم بالمراهنة أبداً فهي مكروهة
إن لم نقل أنها”رجس من عمل الشيطان”.
وال”مراهنة” مفردة أدخلها “محلّلون سياسيون”
والبعض منهم يحمل صفة “محلّل استراتيجي”
وقد درجت هذه الكلمة وكأن المواطن العربي، في غاية الانشراح،
جالس في كازينو يتمتع بصرف أمواله في أنواع المقامرات!
فارحمونا رحمكم الله.
إن لم يشر الكاتب إلى جميع المسؤلين عن جريمة حرق الطفل علي الدوابشة وأشار إلى وحوش من غابات الصهاينة فهذا منحى مقاله، وتركيزه كان على أمان البيت الفلسطيني من الداخل والإرهاب والإرعاب والقتل من الخارج؛
أمّا نحن أهل المشرق، من بلدان الطوق المحيط بفلسطين، فلا عذر لنا ولا حجّة تغفر لنا ترك الفلسطيني وحده تحت عسف الإحتلال دون نصرته ولو بكلمةٍ أو أيّ نشاط.
القلب تخنقه الغصّة والعين تدمع، واللسان يقول
“من أين أتى هؤلاء الصهاينة وكيف صاروا أسياداً يسومون أهلنا أنواع العذاب والظلم والاضطهاد”.
مثل هذا المقال الصادق “الغابة والبيت” يرضيني، ويخفف عنّي، ويذهب ببعض اليأس عن نفسي، لم لا وهذا الأخ من المغرب يقوم بما لم أتمكن من القيام به ويشعرني أن بلادنا القريبة والبعيدة لا زالت بخير وأن فسحة الأمل موجودة،
ومن كان لديه شمعة فليضئها في وجه هذا الظلام.
شكراً للكاتب الأديب عبد الجليل لعميري مع باقات الورود.
أحمد شبيب
شكرا د.احمد على تقديرك لعملي المتواضع. ..والله اخجلني تقديرك واحسست بالكثير من الألم أمام خيباتنا. ….لكن فسحة الأمل التي أشرت اليها رسخت إيماني بالقضية حتى ولو بإشعال شمعة /كلمة نكاية بهذا الظلام السائد….محبتي وتقديري دكتور. .
مقالة صادمة في الصميم تحرك الأوجاع وتستفز الضمائر وتصرخ بوجوهنا وبوجه العالم المتواطىء المستكين…
لم أكن في حاجة لقراءة اسم كاتب المقال
لأعرف من هو صاحبه؟
فنص كهذا لا يكتبه إلا صاحب البصمة المميزة
والقلم الصريح عبدالجليل لعميري
مساؤك أستاذي بساتين ورد وبلابل
الأستاذ مهند والأستاذ إيناس مسرور بتفاعلكما الطيب. ….وشكرا للسنابل التي عرفتنا على مبدعين من طينتكم. …تقديري