الثعلب

بواسطة | 18 أغسطس 2017 | قصص قصيرة | 2 تعليقات

كان يطوفُ بحذر في أرجاءِ الغابة إلى جوارِ قصرِ الأمير، يتحينُ الفرصةَ لينقضَّ على طيورِ الحديقة، والأميرُ مولعٌ بالصيد وعاشقٌ للفرو، والجنسِ اللطيف، يتحيَّنُ الفرصَ للإيقاع بالثعلب، وأبو الحُصَيْن يدركُ قيمةَ جلدِه ويعرفُ نوايا الأمير، ولم يَنْسَ بعد أنه خَسِرَ تسعةً من أعزِّ أصحابِه. تصيَّدَها الرجلُ عندما انتقلَ إلى جوارِ الغابةِ للسكنِ في القصرِ الجديد. أفرغَ أحشاءَها وحنَّطها، ووضعَها في زوايا القاعةِ الكبرى، ليزدانَ بها قصرُه المُنيف.

فشلَ الأميرُ مئآتِ المرات أن ينالَ من الثعلب. كان كلما طاردَه، يتوهُ في الغابة، أو ينسلُّ ويدخلُ القصر. ثم يختفي فلا يتركُ وراءَه ما يدُلُّ على أثر. أعدَّ له مطبَّاتٍ كثيرة وخابتْ مساعيه للإيقاعِ بهذا الماكرِ العجيب.

مضتْ سنتانِ وأكثر والبندقية “أمُّ الناظور” لا تفارق كَتِفَ الأمير. كان يترصّدُ الثعلبَ وحين يطاردُه، لا يحصدُ معه إلاَّ الخيبة والفشل. رسمَ الخطط؛ وأعيتْه الحيل لكي يظفرَ به ويشفي منه الغليل؛ فالضغينةً ما زالتْ تَحْفُرُ في قلبِه مُذ فَتَكَ بالطاووس أغلى ما يملكُهُ الأمير. هكذا أرهقَ الجميع، يتعقبونَه فيختفي بلمح البصر، لكأنَّه فصُّ ملحٍ يدخلُ القصرَ ويذوب.

جنديٌ قديم صديقٌ للأمير، خَدَمَ معه أيَّامَ “العسكر”، واشتركا في الكثير من المعاركِ والحروب. أتعبتْه الوحدة فأتى يزورُ القصرَ؛ ويجدِّدُ صداقتَه للأمير. كان الخدمُ مستنفَرين يتعقبون الثعلب، وهم في حالٍ من الغليان والّصَّخبِ الشديد، فالثعلبُ كان داخلَ القصر، وفشلوا للمرةِ الألف أن يحاصروه أو يجدوه.

بعد أن تمشى الصديقان طويلاً في الحديقة دلفا إلى القصر، يجولانِ في باحاتِه وممراتِه وغرفِه، والأميرُ يشرحُ بالتفصيل لصديقِه الضيف، عن سجادِهِ وتحفِهِ وتاريخِ لوحاتِهِ، وما تتسمُ به من قيمةٍ تاريخيةٍ عظيمة لا يدانيها مثيل.

وصلا إلى القاعةِ الكبرى، وتزدانُ أرضها بسجادٍ “عجميٍّ” من بلادِ فارس. تتوسطها بركةٌ من المرمر تسبحُ فيها أصنافُ السمكِ الملون، هدِيَّةً قَدَّمَتْها له “بارونة” إيطالية. أما مقاعدُها فمن خشبِ الأرز، وجدرانُها زاخرةٌ بلوحاتٍ نادرة، أشتراها الأميرُ من فلورنسا وڨيينا وباريس، وتتوزعُ في زواياها تسعة ثعالب أحسنَ تحنيطها؛ تفتحُ عيونَها فيتبادرُ إلى الأذهانِ أنها حيَّةٌ تُرزق.

كان الأميرُ وصديقُه في طريقهما إلى المكتبةِ المقابلةِ للقاعةِ الكبرى، حينما تنبَّهَ الصديقَ وهو يحصي الثعالبَ المحنطة؛ أنّها عشرة، وليستْ تسعة كما كان يعتقدُ الأمير.

 

 

يوتيوب عن قصة الثعلب
أعدته مشكورة
الكاتبة والصديقة أشواق مليباري 
من المملكة العربية السعودية
 
 
كاتب لبناني

2 التعليقات

  1. أشواق

    مساء الخير
    أسعدني كثيراً قراءة النص مرة أخرى، من بين كل الحكايا، كانت هذه القصة مفضلة وملهمة لأطفالي، تحولت إلى نص للقراءة، ثم إلى فديو بأصواتهم وأصوات أصدقائهم، الطفلة التي قرأت العنوان في بداية الفيديو أصبحت في المرحلة الإعدادية اليوم بفضل من الله.
    أسأل الله أن يطيل في عمرك ويمتعك بالصحة و العافية.
    فرغم مرور السنوات، لم تزد إلا نشاطاً، متفوقاً به علينا جميعاً.
    شكرا لك

    الرد
    • إبراهيم يوسف

      الأستاذة الصديقة.. أشواق

      وهل تعتقدين أنسى.. أنك أكرمتني
      بأكثر من عمل رائع
      فلم يفدني فحسب..؟ بل أفاد الآخرين
      الذين لم تفعلي معهم الشيء القليل
      خاصة أولئك الأطفال
      ممن أحسنتِ التعاطي معهم ببراعتك
      https://www.youtube.com/watch?v=BLHpVQET6aE
      وأنت تحوِّلين قصة الثعلب البسيطة
      إلى عمل فنيّ رائع تولى أدواره أطفالك
      الله يخليك ويخليهن والعقبى للمرحلة الجامعية

      أنت غالية “عندنا”جميعا وتستحقين أعلى
      مراتب المودة.. والتقدير
      على محبتك وتضحياتك.. وجهدك المبذول

      الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أبلغني عبر البريد عند كتابة تعليقات جديدة.